في ظل التصعيد الخطير بعد الضربات الأمريكية المباشرة على المنشآت النووية الإيرانية (فوردو، نطنز، أصفهان)، صوت البرلمان الإيراني لصالح مشروع إغلاق مضيق هرمز، وإن ترك القرار النهائي للمجلس الأعلى للأمن القومي. هذا التهديد، رغم أنه ليس جديدًا، يكتسب خطورة غير مسبوقة مع الحرب المفتوحة بين إيران وإسرائيل، والتدخل الأمريكي المباشر، ما يضع العالم على حافة أزمة طاقة وعسكرية غير مسبوقة.
الأسئلة المطروحة: كيف يمكن لإيران إغلاق المضيق؟ ما الأدوات التي ستستخدمها؟ كم ستستمر هذه العملية؟ من هم المتضررون؟ وهل ستصمت الدول المتضررة؟ دعونا نجيب بأسلوب مبسط وعلمي.
ما هو مضيق هرمز؟
لتوضيح الصورة لغير المتخصصين، المضايق الدولية – وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (1982) – هي ممرات مائية طبيعية تربط بين بحرين أو أكثر، وتُستخدم للملاحة العالمية. مضيق هرمز يُعد أحد أهمها، إذ يربط الخليج العربي بالمحيط الهندي، ويمر عبره يوميًا حوالي 21 مليون برميل نفط (30% من التجارة النفطية البحرية العالمية) و25% من الغاز الطبيعي المسال عالميًا.
يُعتبر المضيق المنفذ البحري الوحيد لدول مثل العراق، الكويت، الإمارات، قطر، والبحرين، مما يجعله شريانًا حيويًا للطاقة العالمية. إغلاقه، إذًا، سيُشكل تهديدًا وجوديًا للاقتصاد العالمي.
كيف يمكن لإيران “إعاقة” المضيق؟
كلمة “إغلاق” التي استخدمها البرلمان الإيراني قد تكون مبالغة إعلامية. الإغلاق الكامل للمضيق صعب جدًا، لأنه سيؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الأسطول الخامس الأمريكي المتمركز في البحرين. بدلاً من ذلك، يُرجح أن تلجأ إيران إلى “إعاقة” جزئية للملاحة باستخدام أدوات مثل:
الألغام البحرية: زرع ألغام في الممرات الضيقة (3-5 كم) لتعطيل حركة السفن.
القوارب السريعة: مناوشات بحرية بواسطة قوارب الحرس الثوري السريعة.
الصواريخ الساحلية والطائرات المسيرة: استهداف سفن تجارية أو عسكرية بدقة، كما أظهرت إيران قدراتها الصاروخية في هجمات سابقة.
التشويش الإلكتروني: تعطيل أنظمة الملاحة، رغم الشكوك حول فعالية هذه التقنية بعد الضربات الأخيرة على أنظمتها الإلكترونية.
التفتيش البطيء أو الاحتجاز: كما حدث في 2019 مع احتجاز ناقلة بريطانية، أو خلال حرب الناقلات في الثمانينيات، رغم أن ذلك ينتهك القانون الدولي.
المدة الزمنية للإعاقة
مدة أي إعاقة محتملة تعتمد على رد الفعل الدولي. إعاقة محدودة قد تستمر أيامًا إلى أسابيع، لكن الإغلاق الكامل غير مرجح، لأنه سيستدعي تدخلاً عسكريًا سريعًا من الولايات المتحدة وحلفائها. إزالة الألغام، على سبيل المثال، قد تستغرق أسابيع، مما يُطيل أمد الأزمة.
الدول المتضررة
إعاقة مضيق هرمز ستُسبب صدمة اقتصادية عالمية:
دول الخليج: السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، العراق، والبحرين، التي تعتمد على المضيق لتصدير نفطها وغازها. انهيار الإيرادات الحكومية سيُهدد استقرارها الاقتصادي.
أوروبا وآسيا: نقص حاد في الغاز الطبيعي المسال (20% منه يمر عبر المضيق من قطر) سيؤدي إلى أزمة طاقة.
الصين والهند: كونهما من أكبر مستوردي نفط الخليج، ستتأثر سلاسل إمدادهما.
الاقتصاد العالمي: ارتفاع سعر النفط إلى 100-200 دولار للبرميل سيُشعل تضخمًا عالميًا، ويُعطل سلاسل الإمداد.
هل ستصمت الدول المتضررة؟
بالتأكيد لا.
الولايات المتحدة: س تدفع بالأسطول الخامس لفتح المضيق بالقوة، وقد تشن ضربات على منصات الصواريخ الإيرانية والسفن الحربية.
إسرائيل: ستُكثف هجماتها على البنية العسكرية الإيرانية، مستغلة التصعيد.
دول الخليج: رغم انتقادها للضربات الأمريكية والإسرائيلية، ستُضطر لمواجهة إيران لحماية مصالحها الاقتصادية.
الصين: كونها تستورد 83% من نفط المضيق، قد تضغط دبلوماسيًا على إيران لتجنب الإعاقة، لكنها قد تتردد في التدخل عسكريًا.
هل هناك بدائل؟
البدائل محدودة جدًا. خطوط الأنابيب، مثل خط بترول السعودية إلى البحر الأحمر، تنقل 5 ملايين برميل يوميًا فقط، مقارنة بـ21 مليون عبر المضيق. هذه القدرة لا تكفي لتعويض الخسائر.
لماذا إغلاق المضيق غير مرجح؟
إغلاق مضيق هرمز سيكون بمثابة “انتحار اقتصادي” لإيران نفسها، التي تصدر 1-2 مليون برميل نفط يوميًا عبره. كما ستخسر دعم الصين، حليفها الاستراتيجي، وتواجه عزلة دولية. الأرجح أن ورقة المضيق تُستخدم كأداة سياسية للضغط ووقف التصعيد العسكري ضدها.
السيناريو الأكثر ترجيحًا
بدلاً من الإغلاق الكامل، قد تلجأ إيران إلى حرب ملاحية محدودة تُعيق الملاحة جزئيًا، مما يرفع أسعار النفط إلى 100-200 دولار، ويُبقي شبح الإغلاق الكامل تهديدًا دائمًا. لكن هذا التصعيد سيُدمر اقتصادات دول الخليج، يُشعل حربًا إقليمية، ويُعمق الأزمات الداخلية.