يُعدّ مضيق هرمز، تلك الشريطة البحرية الضيقة التي تفصل بين إيران وسلطنة عمان، أحد أهم الممرات المائية في العالم، بل هو بمثابة الشريان الحيوي الذي ينبض بتدفقات النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، عاد سيناريو إغلاق هذا المضيق إلى الواجهة ككابوس محتمل يهدد استقرار الاقتصاد العالمي. لكن ماذا يعني إغلاق مضيق هرمز بالنسبة لإمدادات الغاز الطبيعي المسال (LNG)؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الأسواق العالمية، من آسيا إلى أوروبا؟ في هذا التقرير، نغوص في قلب هذا التحدي الاستراتيجي لنستكشف تداعياته المحتملة بأسلوب يجمع بين العمق التحليلي والروح المثيرة.مضيق هرمز: بوابة الطاقة العالميةيقع مضيق هرمز بين الخليج العربي وخليج عمان، وهو الممر البحري الوحيد الذي يربط منتجي النفط والغاز في الخليج بالأسواق العالمية. يمر عبر هذا المضيق، الذي يبلغ عرضه 33 كيلومترًا في أضيق نقاطه، حوالي 20% من إمدادات النفط العالمية، أي ما يقارب 20 مليون برميل يوميًا، إلى جانب حوالي 20% من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية، أي ما يعادل 80 مليون طن سنويًا. هذا الرقم وحده يكفي ليجعل أي تهديد بإغلاق المضيق يثير موجات من القلق في الأسواق العالمية.قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، تعتمد بشكل كامل على مضيق هرمز لتصدير حوالي 81 مليون طن من الغاز سنويًا، بينما تضيف الإمارات العربية المتحدة حوالي 4 ملايين طن أخرى. هذه الأرقام تعني أن أي اضطراب في المضيق سيؤثر مباشرة على 21% من إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية، مما يضع دولًا مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية، التي تستورد نسبًا كبيرة من الغاز القطري، في موقف حرج.سيناريو الإغلاق: كابوس اقتصادي عالميتخيّل مشهدًا يتوقف فيه تدفق ناقلات الغاز الضخمة عبر مضيق هرمز. إيران، التي تسيطر على الجانب الشمالي من المضيق، قد تهدد بإغلاقه كرد فعل على تصعيد عسكري أو عقوبات اقتصادية، كما فعلت في مناسبات سابقة خلال التوترات مع الولايات المتحدة أو إسرائيل. في مثل هذا السيناريو، لن تكون النتائج مجرد أزمة طاقة محلية، بل كارثة عالمية متعددة الأوجه.1. تأثير مباشر على الإمدادات
إغلاق المضيق سيوقف تصدير الغاز من قطر والإمارات، وهما دولتان تشكلان معًا ما يقرب من ربع تجارة الغاز المسال العالمية. هذا يعني نقصًا فوريًا في الإمدادات إلى الأسواق الآسيوية، التي تستحوذ على 70% من صادرات قطر، وخاصة الصين (25% من وارداتها من قطر) والهند (45% من وارداتها). أوروبا، التي تعتمد على 20% من صادرات قطر، ستواجه أيضًا ضغوطًا كبيرة، خاصة بعد أن أصبحت أكثر اعتمادًا على الغاز المسال منذ الحرب الروسية الأوكرانية.2. ارتفاع أسعار الغاز
توقف إمدادات الغاز سيؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار. خبراء الطاقة يحذرون من أن إغلاق المضيق لأسابيع أو أشهر قد يتسبب في قفزة في أسعار الغاز المسال تصل إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة في الأسواق الآسيوية التي تعتمد بشكل كبير على الواردات. هذا الارتفاع سيؤثر على تكاليف الطاقة في الصناعات، من توليد الكهرباء إلى التصنيع، مما يزيد من التضخم ويضغط على المستهلكين.3. اضطرابات في سلاسل التوريد
لن يقتصر الأثر على الغاز وحده، بل سيشمل سلاسل التوريد العالمية. مضيق هرمز ليس مجرد ممر للطاقة، بل هو أيضًا بوابة للتجارة البحرية، بما في ذلك السلع الكيميائية والمواد الخام. إغلاقه سيجبر السفن على البحث عن مسارات بديلة، مثل الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، مما يزيد من تكاليف النقل والتأمين ويطيل مدة الشحن، مما يؤثر على الأسعار العالمية للسلع.البدائل: هل هناك مخرج؟في حالة إغلاق مضيق هرمز، تكون الخيارات البديلة محدودة للغاية. السعودية والإمارات تمتلكان خطوط أنابيب لتصدير النفط تتجاوز المضيق، لكن هذه الخطوط مخصصة للنفط الخام وليست للغاز المسال، وهي لا تغطي سوى جزء صغير من الإمدادات (حوالي 3.5 مليون برميل يوميًا من الطاقة الإجمالية). أما بالنسبة للغاز، فلا توجد بنية تحتية بديلة فعّالة لنقل الغاز المسال من قطر أو الإمارات إلى الأسواق العالمية دون المرور بالمضيق.الدول المستوردة قد تلجأ إلى مصادر أخرى، مثل الولايات المتحدة أو أستراليا، لكن هذه الدول تعمل بالفعل بطاقتها القصوى، ولن تتمكن من تعويض النقص الكبير الناتج عن توقف صادرات قطر. أوروبا، على سبيل المثال، قد تحاول زيادة الواردات من النرويج أو شمال إفريقيا، لكن القدرة الإنتاجية لهذه المناطق محدودة، خاصة خلال ذروة الطلب في الشتاء.تداعيات جيوسياسية: لعبة النفوذإغلاق مضيق هرمز لن يكون مجرد أزمة اقتصادية، بل سيكون أيضًا اختبارًا للتوازنات الجيوسياسية. إيران، التي تعتمد على المضيق لتصدير نفطها، قد تجد نفسها في موقف صعب، لأن إغلاق المضيق سيضر باقتصادها أيضًا. لكنها قد تستخدم هذا التهديد كورقة ضغط استراتيجية لمواجهة العقوبات أو التصعيد العسكري. في المقابل، الولايات المتحدة، التي أصبحت أقل اعتمادًا على نفط الخليج بفضل ثورة النفط الصخري، قد تستخدم وجودها العسكري في المنطقة لضمان فتح المضيق، مما قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إيران.الصين، أكبر مستورد للنفط والغاز من الخليج، لديها مصلحة كبيرة في استقرار المضيق. في السنوات الأخيرة، عملت بكين على تعزيز نفوذها في المنطقة، كما يتضح من وساطتها في المصالحة بين السعودية وإيران عام 2023، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في أي مفاوضات لتجنب الإغلاق.التأثير على الدول المستوردة: آسيا وأوروبا في مرمى النيرانالدول الآسيوية، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، التي تعتمد بشكل شبه كامل على الغاز المسال المستورد، ستكون الأكثر تضررًا. اليابان، على سبيل المثال، استوردت 100% من الغاز القطري عبر مضيق هرمز عام 2018، وأي توقف سيضطرها إلى تقليص استهلاكها أو اللجوء إلى مصادر باهظة الثمن. في أوروبا، التي تعاني بالفعل من نقص الغاز منذ الأزمة الروسية الأوكرانية، فإن فقدان إمدادات قطر سيجبر الدول الأوروبية مثل المملكة المتحدة وإيطاليا وبلجيكا على البحث عن بدائل، مما قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الطاقة ونقص في الإمدادات خلال الشتاء.المدى الزمني: هل هو تهديد مؤقت أم كارثة طويلة الأمد؟مدة الإغلاق ستكون العامل الحاسم في تحديد حجم الأزمة. إذا استمر الإغلاق لبضعة أيام أو أسابيع، فقد تتمكن الأسواق من امتصاص الصدمة بفضل مخزونات الغاز الموجودة، خاصة في أوروبا التي تمتلك مستويات تخزين جيدة. لكن إذا طال الإغلاق لأشهر، فإن النقص في الإمدادات سيؤدي إلى أزمة طاقة عالمية، مع ارتفاع أسعار الغاز إلى مستويات غير مسبوقة، وربما انهيار اقتصادي في الدول التي تعتمد بشكل كبير على الواردات.