أظهر موقف شركتي الاتصالات “فودافون” وأورنج من التعاون مع “هواوي” تناقضاً صريحاً من تشغيل تكنولوجيا الجيل الخامس بين أوروبا ومصر، حيث اتخذت الشركتان قرارات حاسمة في أوروبا لاستبعاد “هواوي” من الشبكات الأساسية، فإنها تواصل التعاون معها في مصر دون قيود واضحة.
فالبعض يرى أن الاحتفاظ بتلك المرونة في أوروبا في ظل التعاون العميق في مصر لضمان تحقيق هذا التوازن دون المساس بمصالحهما في الأسواق العالمية دون الاكتراث بالصورة الذهنية لمصداقية الشركات أمام عملاء الرأي العام العالمي.
موقف “أورنج” في أوروبا: حذر أم مقاومة للضغوط؟
وتتخذ أورنج موقفاً حذراً في أوروبا بسبب مخاوف أمنية مرتبطة بمعدات «هواوي»، تُظهر تعاوناً استراتيجياً وثيقاً مع الشركة الصينية في مصر، مما يطرح تساؤلات حول دوافع هذا التناقض وسياسات الشركة العالمية.
في أوروبا، حيث تُعد “أورنج” إحدى الشركات الرائدة في قطاع الاتصالات، تبنت الشركة نهجاً انتقائياً في التعامل مع “هواوي”. خلال فعاليات معرض MWC22 في برشلونة عام 2022، أعلنت “أورنج” عن اختيارها شركتي “إريكسون” و”نوكيا” كشريكتين رئيسيتين لتطوير شبكات الجيل الخامس المستقلة (5G SA) في أسواق مثل فرنسا، إسبانيا، بلجيكا، لوكسمبورغ، بولندا، وسلوفاكيا.
وجاء قرار أورنج جاء وسط ضغوط دولية، خاصة من الولايات المتحدة، التي تتهم “هواوي” بتسهيل التجسس عبر معداتها، وهي اتهامات تنفيها الشركة الصينية باستمرار.
ومع ذلك، لم تُغلق “أورنج” الباب تماماً أمام “هواوي” في أوروبا. ففي بعض الأسواق، استمرت الشركة في استخدام معدات “هواوي” بشكل محدود، خاصة في المناطق التي تتطلب تكاليف أقل أو تقنيات متقدمة مثل هوائيات MIMO التي تتفوق فيها “هواوي”. لكن هذا التعاون يخضع لتدقيق أمني صارم، حيث تفرض دول مثل ألمانيا وبريطانيا قيوداً على استخدام معدات “هواوي”، بما في ذلك خطط لإزالتها تدريجياً من شبكات الجيل الخامس بحلول عامي 2027 و2029 على التوالي.
موقف “أورنج” في مصر: شراكة استراتيجية مع “هواوي”
على النقيض من الحذر الأوروبي، تُظهر “أورنج مصر” تعاوناً وثيقاً مع “هواوي” لتطوير شبكات الجيل الخامس. في فبراير 2025، أعلنت “أورنج مصر” عن شراكة استراتيجية مع “هواوي” لإطلاق خدمات SD-WAN، وهي تقنية تعزز كفاءة الشبكات. كما وقّعت الشركة اتفاقيات لاستخدام تقنيات “هواوي” المتقدمة مثل BladeAAU وDIS 5G، التي تدعم النطاقات الترددية العالية وتحسن تغطية الشبكات داخل المباني.
وتحتفل “أورنج مصر” و”هواوي” بشراكة تمتد لأكثر من 20 عاماً، كما شهدت استعدادات اورنج إطلاق خدمات الجيل الخامس في مايو 2025، مؤكدة جاهزيتها الكاملة عبر تحديث بنيتها التحتية بالتعاون مع “هواوي”، بما في ذلك “إضاءة الأبراج” وتهيئة المواقع الهندسية.
تُبرر “أورنج مصر” هذا التعاون بالتكلفة التنافسية والتقنيات المتطورة التي تقدمها “هواوي”، والتي تُعد ضرورية لتلبية الطلب المتزايد على الإنترنت فائق السرعة في السوق المصري. وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، تجاوزت المعاملات الإلكترونية في مصر 22 تريليون جنيه بنهاية 2024، مما يعكس الحاجة الماسة لشبكات متقدمة.
موقف “فودافون” في أوروبا: استبعاد “هواوي” تحت الضغط
في أوروبا، اتخذت “فودافون” قراراً حاسماً في فبراير 2020 بإزالة معدات “هواوي” من شبكاتها الأساسية للجيل الخامس، وذلك استجابة للضغوط الأمريكية والأوروبية التي تتهم “هواوي” بتسهيل التجسس لصالح الحكومة الصينية، وهي اتهامات تنفيها الشركة الصينية. هذا القرار كلف “فودافون” ملايين الدولارات، حيث استبدلت معدات “هواوي” بتكنولوجيا من شركتي “نوكيا” و”إريكسون” في أسواق مثل المملكة المتحدة، ألمانيا، وإيطاليا.
على سبيل المثال، في المملكة المتحدة، أعلنت “فودافون” خطة لإزالة معدات “هواوي” من شبكاتها الأساسية بحلول عام 2027، تماشياً مع قرار الحكومة البريطانية بحظر المعدات الصينية. وفي إسبانيا، قلّصت “فودافون” اعتمادها على “هواوي” في الشبكات الأساسية، مع الإبقاء على بعض معداتها في الشبكات غير الأساسية (مثل أبراج الإرسال) لتقليل التكاليف. هذا النهج يعكس محاولة “فودافون” لتحقيق توازن بين الالتزام بالقوانين الأوروبية والحفاظ على الكفاءة الاقتصادية.
ومع ذلك، لم تستبعد “فودافون” “هواوي” تماماً في أوروبا. في بعض الأسواق الأقل حساسية، مثل رومانيا أو المجر، واستمرت “فودافون” في استخدام معدات “هواوي” بشكل محدود، خاصة في البنية التحتية غير الحساسة أمنياً، مما يُظهر نهجاً براغماتياً.
موقف “فودافون” في مصر من التعاون مع “هواوي”
في مصر، تُظهر “فودافون مصر” تعاوناً وثيقاً مع “هواوي”، خاصة في تطوير البنية التحتية لشبكات الجيل الرابع والاستعداد للجيل الخامس. منذ دخولها السوق المصري عام 1998، استثمرت “فودافون” أكثر من 70 مليار جنيه في البنية التحتية، وكانت “هواوي” شريكاً رئيسياً في توفير المعدات والتقنيات.
في إطار استعدادات إطلاق خدمات الجيل الخامس في مصر عام 2025، تعاونت “فودافون مصر” مع “هواوي” لتزويد مواقعها بتقنيات متقدمة مثل Massive MIMO وهوائيات 5G، التي تُعزز سرعة الشبكات وتغطيتها. هذا التعاون يُعزى إلى التكلفة التنافسية لمعدات “هواوي” وخبرتها في تقنيات الجيل الخامس، مما يجعلها خياراً مفضلاً في السوق المصري الذي يتطلب توسعات سريعة بتكاليف معقولة.
على عكس أوروبا، لا تواجه “فودافون مصر” ضغوطاً سياسية كبيرة للحد من التعاون مع “هواوي”. مصر، كشريك اقتصادي استراتيجي للصين، تُظهر مرونة أكبر في التعامل مع الشركات الصينية، مما يتيح لـ”فودافون” الاستفادة من تقنيات “هواوي” دون قيود تُذكر.
قال الدكتور محمد عبد الرحمن، استاذ الاتصالات بجامعة القاهرة: أن اورنج وفودافون تحاولان الحفاظ على سمعتهما من حيث الالتزام بالمعايير الأمنية في أوروبا، بينما تستغل الفرص الاقتصادية التي توفرها هواوي في أسواق أقل حساسية سياسياً مثل مصر.
وأكد في تصريحات خاصة لـ ميجا نيوز موقف الشركتين يعكس جانب هائل من الامتثال للضغوط السياسية والأمنية بهدف الاستفادة من التكنولوجيا الرخيصة التي تقدمها “هواوي” في الأسواق النامية بالشرق الأوسط.
دوافع التناقض: اقتصادية أم سياسية؟
وأرجع خالد العسكري مدير غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السابق التناقض في موقف فودافون وأورنج إلى عدة عوامل. أولاً، السياق السياسي والأمني في أوروبا يفرض قيوداً صارمة على التعاون مع “هواوي” بسبب التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين. في المقابل، تتمتع مصر بمرونة أكبر في التعاون مع “هواوي”، حيث لا تواجه الضغوط السياسية نفسها، وتُعد الصين شريكاً اقتصادياً رئيسياً لها.
وأوضح العسكري في تصريحات خاصة لـ ميجا نيوز أن الاعتبارات الاقتصادية تلعب دوراً محورياً لأن “هواوي” تقدم معدات بتكلفة أقل مقارنة بمنافسيها مثل “إريكسون” و”نوكيا”، مما يجعلها خياراً جذاباً في الأسواق الناشئة مثل مصر، حيث تُعد الأولوية لتوسيع التغطية وتقليل التكاليف.
ولفت العسكري إلى أن الشركات قد تتبع استراتيجية “التوازن”، لعدم خسارة أعمالها وعلاقاتها مع جميع الأطراف في أوروبا، حيث تتعمد إظهار التزامها بالمعايير الأمنية لتهدئة مخاوف الحكومات، بينما تستفيد في مصر من التقنيات التي توفرها “هواوي” لتعزيز مكانتها التنافسية منوهاً إلى أن تقنيات مثل Massive MIMO تتطلب بنية تحتية معقدة مما يؤثر على سلامة بيانات المواطنين وإمكانية اختراقها ومع ذلك، لم تُصدر الجهات الرسمية المصرية أي تحذيرات رسمية، مما يعكس ثقة نسبية في هذا التعاون.
يأتي ذلك في الوقت الذي يُحذر الاتحاد الأوروبي من الاعتماد على موردين يشكلون “مخاطر أمنية”، حيث كشف المهندس خالد العسكري أن ذلك قد يؤثر على قرارات شركات الاتصالات مثل فودافون وأورنج لأن الشراكة مع هواوي في مصر على الرغم من عدم اكتمال تأمينها لكنها قد تُعرض شركات الاتصالات لضغوط دولية إذا تصاعدت التوترات الجيوسياسية.