أصبحت سوق الفضة محوراً للاهتمام المتزايد، في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية، خاصة مع ارتفاع أسعارها إلى مستويات قياسية في أكتوبر 2025. يُعتبر هذا الارتفاع ليس مجرد تقلب سعري عابر، بل إشارة إلى اختلالات هيكلية بين السوق الورقية (التداولات الافتراضية) والسوق المادية (الإمدادات الفعلية).
ميجا نيوز هذا التقرير يستعرض أبرز أسباب الضغط الحالي، التداعيات المحتملة، والسيناريوهات المستقبلية. يعتمد التحليل على مصادر موثوقة من أسواق المعادن والتقارير الاقتصادية، مع الإشارة إلى أن الفضة تجمع بين خصائصها الصناعية والمالية، مما يجعلها مؤشراً حساساً للثقة في النظام النقدي العالمي.
أهمية الفضة: لماذا الفضة؟ ولماذا الآن؟
الفضة ليست مجرد معدن نفيس مثل الذهب؛ إنها سلعة صناعية أساسية تستخدم في قطاعات متنوعة مثل الألواح الشمسية، الإلكترونيات، البطاريات، والمستشعرات الطبية. في عام 2025، يُقدر الطلب الصناعي بحوالي 1,148 مليون أونصة، مدفوعاً بنمو الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، حيث يستهلك قطاع الطاقة الشمسية وحده أكثر من 196 مليون أونصة.
كما أنها تعكس الثقة في النظام النقدي، خاصة مع إلغاء دعم الدولار بالذهب منذ 1971، مما يجعلها “مرآة” للتضخم المقنع.
الآن، في أكتوبر 2025، يشهد السوق ضغطاً هائلاً بسبب نقص الإمداد المادي مقابل الطلب المتزايد. سعر الفضة يتداول حالياً حول 51-52 دولاراً للأونصة، بعد ارتفاع بنسبة تصل إلى 70% منذ بداية العام، مع تسجيل أعلى مستوى عند 54 دولاراً قبل انخفاض طفيف.
هذا الارتفاع يعكس “انهياراً هيكلياً” في نظام التسعير الورقي، حيث يفوق حجم العقود الورقية الإمداد المادي بنسب تصل إلى 250:1 أو حتى 400:1 في بعض التقديرات.
اللحظة الحرجة: نقص الإمداد المادي
لم يتم العثور على أدلة مباشرة على إعلان شركة Dragon Mining (شركة تعدين أسترالية/فنلندية صغيرة نسبياً) عن توقف تصدير سبائك الفضة عيار 999 بوزن 1000 أونصة، وهو المعيار القياسي في بورصتي LBMA (لندن) وCOMEX (نيويورك).
ومع ذلك، يعاني السوق العالمي من نقص حاد في الإمداد المادي، مع توقعات بنقص يصل إلى 118 مليون أونصة في 2025، وهو العام الخامس على التوالي من العجز الهيكلي.
الطلب الصناعي، خاصة من الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، يستهلك الإنتاج السنوي تقريباً، بينما يظل الإنتاج التعديني محدوداً (حوالي 800-1000 مليون أونصة سنوياً، مع زيادة طفيفة بنسبة 2% في 2025).
في بورصة COMEX، يبلغ معدل التسليم الفعلي أقل من 0.5% من العقود المتداولة، مما يعتمد على “وهم السيولة”. ومع ذلك، شهدت التسليمات مستويات قياسية في 2025، مع إضافة أكثر من 1033 طن لتجنب أزمة كاملة.
هذا يؤدي إلى حالة “backwardation” حيث يتجاوز سعر الفوري سعر العقود الآجلة، مما يشير إلى ضغط شديد على الإمدادات القريبة.
الاختلال بين السوق الورقية والمادية
الكارثة تكمن في الفجوة بين السوقين: البنوك الاستثمارية مثل JPMorgan، HSBC، وGoldman Sachs تحمل مراكز بيع قصيرة “عارية” (naked shorts) كبيرة، حيث تبيع فضة لا تملكها، مراهنة على انخفاض الأسعار.
مع ارتفاع السعر إلى أكثر من 50 دولاراً، تواجه هذه البنوك خسائر غير محدودة، مما يؤدي إلى دورة تغذية راجعة: ارتفاع السعر يزيد الطلب على التسليم، مما يفاقم النقص ويرفع الأسعار أكثر. إذا انكشف أن معظم الفضة المتداولة وهمية، قد تنهار الثقة في الدولار الأمريكي، الذي يعتمد عليه تسعير المعادن.
العواقب المالية: إفلاس بنوكي وانهيار الدولار
قد يؤدي الضغط إلى إفلاس بنوك استثمارية مترابطة، مشابهاً لأزمة 2008 لكن أعمق، مع أزمة سيولة. الفضة كمؤشر للنظام المالي قد تكشف عن تضخم مقنع، مما يهز الثقة في الدولار.
التحول الجيوسياسي: الشرق يربح، الغرب يخسر
البنوك المركزية في الصين، الهند، وروسيا تشتري المعادن الثمينة بكميات كبيرة، مع تركيز أكبر على الذهب (أكثر من 70% من الشراء الرسمي في 2023-2025 من آسيا)، لكن الاستراتيجية تمتد إلى الفضة كأمان نقدي.
الشرق يبني نظاماً نقدياً مدعوماً بالمعادن، بينما يركز الغرب على العملات الرقمية غير المدعومة.
السيناريوهات المحتملة خلال 12 شهراً القادمة
الاختناق اللوجستي: نقص السبائك القياسية يؤدي إلى تفكيك العقود أو إلغاء التسليم الفعلي، معترفاً بالاحتيال الضمني.
إفلاس بنكي مفاجئ: فشل بنك في تغطية مركز قصير، مما يثير أزمة سيولة.
إعادة تسعير عالمية: قد يتجاوز السعر 100-300 دولار للأونصة مع اكتشاف السعر الحقيقي، مدفوعاً بالسوق المادية.
انهيار العملات الرقمية: فقدان الثقة في العملات المشفرة لصالح المعادن الحقيقية.
ماذا يجب أن تفعل الآن؟
احصل على فضة مادية (سبائك أو عملات) من مصادر موثوقة، تجنباً المنتجات الورقية مثل ETFs أو العقود الآجلة.
استخدم تخزيناً شخصياً أو خزائن خارج النظام المصرفي لتجنب المخاطر.
تابع تدفقات الفضة الصناعية؛ تباطؤ الطلب قد يعطل الصعود مؤقتاً، لكن الاتجاه طويل الأمد صاعد.
استعد نفسياً ومالياً لهذا التحول الحضاري، الذي قد يشير إلى نهاية النظام المالي الغربي القائم على الديون.