في عام 1976، كانت جمهورية الصين الشعبية مجرد بقايا منهكة من عهد الثورة الثقافية، دولة زراعية فقيرة تعيش في عزلة وتفوقها إيطاليا في الناتج المحلي الإجمالي. اليوم، تقف الصين كقوة اقتصادية وتكنولوجية عظمى تنافس الولايات المتحدة على قمة الهرم العالمي.
هذا الصعود لم يكن معجزة عشوائية، بل نتاج خطة مدروسة وعقيدة براجماتية أرسى قواعدها الزعيم الراحل دينج شياو بينج عام 1978.
لقد استندت رحلة “الإصلاح والانفتاح” إلى مزيج فريد من القيادة المركزية والبراغماتية الاقتصادية، تلخصت في مقولته الشهيرة: “لا يهم إن كان القط أسود أو أبيض، طالما أنه يصطاد الفئران” (أي لا يهم العقيدة طالما تحقق التنمية).
ثلاث مراحل حاسمة في صعود التنين
يمكن تلخيص النهضة الصينية في ثلاثة محاور رئيسية، بدأت من القاع وانتهت بالفضاء التكنولوجي:
1. نقطة الانطلاق: تحرير الريف وتوفير رأس المال (1978 – 1980s)
بدأت الإصلاحات من الفلاحين، حيث سُمح لهم ببيع الفائض بعد تسليم حصة الدولة (نظام مسؤولية الأسرة). هذا الحافز البسيط أطلق شرارة الإنتاج، وخلَق رأس مال أولي، والأهم، خلق فائضاً ضخماً من العمالة الريفية الجاهزة للانتقال إلى المدن والصناعة.
2. مختبرات الرأسمالية: “النسخ قبل الابتكار” (1980s – 2001)
تجنبت الصين الصدمة بالفتح التدريجي، عبر إنشاء “المناطق الاقتصادية الخاصة” (SEZs) مثل شينزن. هذه المناطق كانت بمثابة مختبرات للرأسمالية تحت عباءة الحزب، تقدم إعفاءات ضريبية
وبنية تحتية رخيصة. القبول بأن تكون “مصنع العالم” للمنتجات الرخيصة لم يكن تنازلاً، بل كان استراتيجية لـ “امتصاص التكنولوجيا والمعرفة الإدارية” من الشركات الغربية واليابانية التي تدفقت للاستفادة من العمالة الزهيدة.
















