خطوة جديدة ترسّخ موقع المغرب كمركز استراتيجي لكرة القدم في القارة السمراء ، في تحرك يعكس الثقة المتزايدة في البنية التحتية الرياضية المغربية والدور المحوري الذي تلعبه المملكة في النهوض بكرة القدم الإفريقية، افتتح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أول مقر إقليمي له في إفريقيا، وذلك في مدينة سلا المغربية، القريبة من العاصمة الرباط، لتدخل المملكة بذلك مرحلة جديدة من الانخراط في صناعة القرار الكروي على مستوى القارة والعالم.
الافتتاح تم بجوار مركز محمد السادس لكرة القدم، الذي يُعد من أبرز الصروح التدريبية والرياضية في إفريقيا، ليُشكّل المقر الجديد حلقة وصل مباشرة بين الفيفا والدول الإفريقية، ومركزًا لإدارة وتنفيذ البرامج والمبادرات المخصصة لتطوير اللعبة في مختلف أرجاء القارة.
افتتاح رسمي بحضور شخصيات رياضية عالمية
شهدت مراسم الافتتاح الرسمية حضورًا لافتًا لعدد من كبار الشخصيات في عالم كرة القدم، يتقدمهم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، ورئيس الاتحاد الإفريقي باتريس موتسيبي، ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع، إلى جانب عدد من مسؤولي الفيفا والكاف والاتحادات القارية والوطنية.
خلال كلمته، عبّر إنفانتينو عن سعادته بافتتاح المقر الجديد، مؤكدًا أن “وجود مقر إقليمي للفيفا في المغرب يمثل مرحلة جديدة من القرب والتعاون مع الاتحادات الإفريقية”، وأضاف: “المغرب أثبت جدارته باستضافة مشاريع كروية كبرى، وهو نموذج يحتذى به في تطوير البنية الرياضية”.
من باريس إلى سلا: الفيفا يتوسع خارج أوروبا
يُعد المقر الذي افتتح في سلا هو الرابع من نوعه عالميًا، بعد مكاتب الفيفا في باريس (فرنسا)، ميامي (الولايات المتحدة)، وجاكرتا (إندونيسيا). واختيار المغرب يعكس رغبة الاتحاد الدولي في تعزيز حضوره في مناطق استراتيجية حول العالم، وتوسيع شبكته الميدانية لخدمة الاتحادات الوطنية.
لماذا المغرب؟
اختيار المغرب لم يكن وليد صدفة، بل نتيجة سنوات من العمل المؤسسي والاستثمار المتواصل في تطوير البنية الرياضية. فقد استطاعت المملكة في السنوات الأخيرة أن تُحدث نقلة نوعية في مرافقها، بداية من الملاعب الحديثة، مرورًا بمراكز التدريب والتكوين، وصولًا إلى التنظيم المحترف للبطولات.
ويُعد مركز محمد السادس لكرة القدم، الذي يقع قرب المقر الجديد، واحدًا من أفضل المراكز في القارة، ويضم تجهيزات تدريبية وطبية وإدارية بمعايير عالمية، ما جعله وجهة مفضلة للمنتخبات والفرق القارية والدولية على حد سواء.
دعم القارة السمراء من قلب المغرب
المكتب الجديد سيتولى مجموعة من المهام الحيوية، أبرزها دعم الاتحادات الوطنية فنيًا وإداريًا، الإشراف على تنفيذ برامج التطوير الكروي الموجهة للقارة، تنسيق المبادرات التعليمية والتكوينية للكوادر الفنية والإدارية، إلى جانب تقديم الدعم اللوجستي لتنظيم البطولات القارية تحت مظلة الفيفا.
كما سيعمل المقر على تسهيل التواصل بين الاتحادات الإفريقية والفيفا بشكل مباشر، بعيدًا عن التعقيدات الإدارية، مما يُسهم في تسريع تنفيذ البرامج وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.
لقجع: اعتراف دولي بمكانة المغرب الكروية
من جانبه، قال فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، إن افتتاح هذا المكتب يُعد “تتويجًا لسلسلة من الإنجازات التي حققها المغرب على مستوى كرة القدم خلال العقد الأخير”، وأضاف: “الفيفا يدرك أن إفريقيا بحاجة إلى آليات دعم مباشرة، وأن المغرب هو الأنسب للقيام بهذا الدور انطلاقًا من موقعه وتجربته وإمكانياته”.
وأشار لقجع إلى أن المشروع تم تتويجه بتوقيع بروتوكول رسمي في ديسمبر 2024، بمدينة مراكش، خلال حفل جوائز الاتحاد الإفريقي “الكاف”، بمشاركة كبار المسؤولين من الحكومة المغربية والفيفا والكاف.
المغرب وكأس العالم 2030.. محطة عالمية قادمة
يتزامن هذا الإنجاز مع الاستعدادات الجارية لاستضافة نهائيات كأس العالم 2030، بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، وهو المشروع الذي يعكس الثقة الدولية الكبيرة في قدرة المغرب على تنظيم تظاهرات كبرى وفقًا لأعلى المعايير.
ويُنتظر أن يُسهم افتتاح المكتب في تعزيز تحضيرات المغرب لهذا الحدث العالمي، سواء على مستوى التنظيم أو الاستضافة أو التنسيق مع الأجهزة التابعة للفيفا.
دعم التنمية والتكوين في إفريقيا
من المتوقع أن يكون للمكتب الجديد دور حيوي في دعم برامج التكوين وتنمية الكوادر البشرية في القارة، سواء من خلال الدورات التدريبية أو ورش العمل، أو عبر دعم البنية التحتية في الدول الإفريقية الناشئة كرويًا.
كما سيتولى المكتب مهمة مراقبة تنفيذ المشاريع الممولة من الفيفا عبر صندوق “Forward”، الذي يستهدف تطوير الاتحادات الوطنية وتقديم دعم مادي وفني لها.
دلالات سياسية ورياضية
لا يخفى أن افتتاح المكتب في المغرب يحمل أبعادًا استراتيجية أعمق، حيث يعكس التوجه الدولي نحو تعزيز شراكات جديدة في القارة الإفريقية، ومنح أدوار محورية لدول قادرة على القيادة، مثل المغرب، الذي نجح في الجمع بين الطموح الرياضي والانفتاح الدبلوماسي.
كما أن المشروع يعزز مكانة المملكة كواحدة من أبرز الواجهات الرياضية في إفريقيا والعالم، بعد نجاحات لافتة للمنتخبات المغربية في كأس العالم وكأس إفريقيا، واحتضان بطولات دولية كبرى مثل كأس العالم للأندية وكأس إفريقيا للسيدات.
مستقبل واعد لكرة القدم الإفريقية
يرى متابعون أن هذا التحول في آليات عمل الفيفا على الأرض قد يكون بداية حقيقية لتقليص الفجوة بين إفريقيا وباقي القارات، عبر تحسين ظروف العمل الفني والإداري، وإيصال الدعم للمكان الصحيح في الوقت المناسب، بدلًا من الاكتفاء بالإدارة من المقر الرئيسي في زيورخ.
كما يشير محللون إلى أن المغرب، بما راكمه من خبرة وتجربة، مؤهل للعب دور قيادي في إعادة صياغة مستقبل كرة القدم الإفريقية، ليس فقط عبر الأداء الرياضي، بل من خلال المؤسسات والتخطيط الاستراتيجي.
افتتاح أول مقر إقليمي للفيفا في القارة الإفريقية بمدينة سلا المغربية ليس مجرد خطوة إدارية، بل هو تحول نوعي في طريقة تعامل الفيفا مع إفريقيا، واعتراف عملي بدور المغرب المتصاعد في قيادة التحول الرياضي في المنطقة. وبينما تستعد المملكة للمونديال، يبدو أن رهانها على الرياضة كقوة ناعمة يؤتي ثماره باطراد.