يبدو أن هناك خلطا واختلاطا في مسألة قمة شرم الشيخ بخصوص اتفاق السلام حول غزة. إذا كانت إسرائيل وحماس لن تحضرا مراسم توقيع الاتفاقية، فهذا أمر متروك لهما، وربما يكون قد ورد ضمن الاتفاقات. فهما طرفا النزاع.
وهذان الطرفان تحديدا قاما في وقت سابق بالتوقيع على المرحلة الأولى من خطة ترامب. أي أنهما أديا دورهما في هذا الصدد بمساعدة الوسطاء- الضامنين المصريين والقطريين والأتراك.
وفي الواقع، الكلام يدور حول “حضور” أو “غياب” إسرائيل وحماس مراسم توقيع اتفاقية السلام، وليس المشاركة في توقيع اتفاقية السلام.
وهذا أمر هامشي وفرعي تماما وغير مؤثر، على الأقل، على سير مجريات توقيع اتفاقية السلام في شرم الشيخ.
أما قمة شرم الشيخ نفسها، فهي مخصصة لتوقيع اتفاق سلام مرتبط بخطة ترامب. وقد يوقعه ترامب مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أو مع السيسي وبقية الأطراف “الضامنة”.
والوسطاء هنا، ليسوا فقط مجرد وسطاء، بل هم ضامنون أيضا. أي ستكون لهم أدوار ومهام في وقت لاحق. وربما يكون الجانب المصري هو الطرف الأكثر تحملا لمسؤوليات كثيرة بحكم نفوذه وتأثيره في الملف الفلسطيني، وبحكم علاقته مع كل من الطرفين المتنازعين.
من الواضح حتى الآن، أن الطرف المصري هو الذي يتصدر المشهد على اعتبار أنه الطرف الذي سيتحمل مسؤوليات كثيرة. وهنا يأتي دور مسألة “نزع السلاح” أو “تجميد السلاح”.
وفي الواقع، هذه المسألة جوهرية لجميع الأطراف، وبالذات للطرفين المصري والإسرائيلي من جهة، وحماس من جهة أخرى. لكن الهدف النهائي هو “نزع” سلاح حماس.
ولن أكشف سرًا إذا قلت إن حماس ستفعل ذلك، وسيكون الطرف المصري هو الطرف الفاعل في هذا الموضوع، ليس لأن القاهرة تريد نزع سلاح حماس لإضعافها، بل لأنه بدون نزع سلاح حماس، ستنهار كل الاتفاقيات، وستكون إسرائيل والولايات المتحدة أكثر شراسة وتدميرًا.
وبالتالي، فلا يوجد أمام حماس إلا الطرف المصري الذي يعتبر هنا هو الطرف الضامن الأكثر موثوقية. وحماس تدرك ذلك، وستنفذ موضوع نزع السلاح بأي شكل من الأشكال من حيث إخراجه سياسيا وإعلاميا.
هنا نصل إلى نقطة في غاية الحساسية، ألا وهي مصير قادة حماس المتبقين. ماذا سيكون وضعهم؟ وما هي الضمانات التي قُدِّمَت إليهم لكي لا يتعرضوا لتصفيات ممنهجة، وفق العقيدة الإسرائيلية التي تحتم القضاء على كل من شارك في عمليات عسكرية وأمنية ضد إسرائيل؟ وما هي الدولة التي يمكن أن توفر لهم الحماية الكاملة على أراضيها.
هذا طبعا إذا كانوا سيخرجون من غزة. أما إذا كانوا سيظلون بها، فهذا أمر آخر، قد يكون واردا بشكل واضح في المراحل التالية من خطة ترامب، وأن يتعلق بالتفاهمات المزمعة مع سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، والانضواء تحت رايتها، تمهيدا لدور سياسي ضمن حكومة فلسطينية واحدة بقيادة محمود عباس؟
لا شك أن هناك أطرافًا دولية بعيدة بشكل أو بآخر عن تلك “الصفقة” التاريخية. وبالطبع هذه الأطراف حاضرة في تصريحات تدلي هي بها، أو تقوم أطراف مشاركة في الصفقة بإصدار تصريحات مجامِلة بخصوصها، والمقصود روسيا والصين وإيران وبعض الأطراف الأخرى.
وبالتالي، فالصفقة أمام اختبار حقيقي، لأنه ليس من السهل إبعاد روسيا والصين وإيران “عمليا” عن الصفقة، وأن تسير الأمور على ما يرام بشكل مثالي بدون تعقيدات أو مفاجآت، أو حروب إعلامية ودعائية باستخدام مجموعات صغيرة من أنصار “الحرب الدائمة”.
الحديث هنا لا يدور حول تنفيذ المرحلة الأولى بين يوم وليلة، أو البدء في المرحلة الثانية فور الانتهاء من المرحلة الأولى التي قد تستغرق وقتا أطول مما يتصور الكثيرون، ومن ضمنهم أطراف النزاع، والأطراف الضامنة أيضا. فهناك خطط وتفاصيل تتعلق بإعادة إعمار غزة، وتعديل أوضاع سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية، وانتخابات، وربما تتخلل ذلك مناوشات أو اشتباكات محدودة، أو مفاجآت من أطراف معينة تهدف لإعادة الأمور إلى نقطة الصفر.
كما أن الحديث عن إعلان دولة فلسطينية بمواصفات معينة سيستغرق سنوات طويلة مقبلة. والأمر يتوقف ليس فقط على الدول الضامنة، بل وأيضا على “أوضاع” الحكومة الفلسطينية وتحالفاتها وجهودها ومواءماتها في ما بعد تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية وأثناء تنفيذهما.