رغم أن السفر الجوي يُعد من أكثر وسائل التنقل راحة وسرعة، إلا أن تقارير طبية وتحذيرات مهنية أطلقت ناقوس الخطر مؤخرًا بشأن مستويات التلوث والجراثيم المنتشرة في أرجاء الطائرات، حتى في الأماكن التي لا يتوقعها الركاب ، التحذيرات لم تقتصر على الحمامات، بل شملت مقابض الأبواب، والمغاسل، وأحزمة المقاعد، والطاولات القابلة للطي، وحتى مياه الشرب، والقهوة، والشاي المقدم على متن الطائرة. واقع مرير يتناقض مع الصورة اللامعة للسفر الجوي، ويفرض على الركاب مزيدًا من الحذر والوعي الصحي ، ووفقاً لشهادات عدد من العاملين في قطاع الطيران، تُعتبر حمامات الطائرات من أكثر الأماكن التي تتجمع فيها الجراثيم. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها بعض شركات الطيران في التنظيف، إلا أن الواقع يثبت أن وتيرة الاستخدام العالية مقابل قلة عدد الحمامات يجعلها بيئة خصبة لنقل العدوى، خاصة في الرحلات الطويلة والمزدحمة.
تشير التقديرات إلى أن الحمام الواحد في الطائرة يخدم عشرات أو حتى مئات الركاب خلال رحلة واحدة، وفي كثير من الأحيان لا يتم تعقيمه إلا بين الرحلات، وليس أثناءها، مما يجعل مقابض الأبواب، وأقفال الحمام، وأزرار السيفون، من أكثر النقاط التي تحتوي على بكتيريا ضارة.
أسطح لا يتخيلها أحد
ليست الحمامات وحدها هي مصدر القلق، بل إن أسطحًا أخرى أقل وضوحًا قد تكون ملوثة بشكل يفوق التوقع. وتشمل هذه:
مساند الذراعين
الطاولات القابلة للطي
بطاقات تعليمات السلامة
شاشات الترفيه
أغطية المقاع
أحزمة الأمان
ووفقًا لفحصات مخبرية أجريت على بعض هذه الأسطح، وُجد أن عدد البكتيريا الموجودة على الطاولات القابلة للطي يفوق أحيانًا تلك الموجودة في الحمام. وذلك لأن الكثير من الركاب يستخدمونها للأكل، والنوم، والعمل، وحتى لتغيير حفاضات الأطفال، مما يحولها إلى بيئة مثالية للجراثيم في حال عدم تنظيفها بانتظام.
الماء، الشاي، القهوة… هل هي آمنة؟
واحدة من أكثر المفاجآت غير السارة، كانت تلك المرتبطة بجودة المياه المستخدمة داخل الطائرة. فالكثير من الركاب لا يعلمون أن المياه التي تُستخدم لتحضير المشروبات الساخنة، مثل القهوة أو الشاي، أو التي تقدم كماء شرب، تأتي غالبًا من خزانات المياه الموجودة بالطائرة، والتي لا يتم تنظيفها بشكل دائم أو دوري كما هو متوقع.
تشير تقارير ودراسات سابقة إلى أن هذه المياه قد تحتوي على مستويات غير آمنة من البكتيريا مثل الإي كولاي أو القولونيات البرازية، خاصة في الرحلات التي تتنقل بين وجهات متعددة دون عمليات تنظيف كافية.
والمثير للقلق أكثر أن هذه المياه تُستخدم في تحضير الشاي والقهوة، وقد تُقدم أحيانًا في زجاجات يُعاد تعبئتها من الخزان نفسه.
ماذا يقول العاملون في الطيران؟
تحدثت بعض المضيفات ومضيفو الطيران عن هذه الوقائع بوضوح، مؤكدين أن الوقت الضيق بين الرحلات لا يكفي أحيانًا لتنظيف وتعقيم جميع الأسطح كما ينبغي، وخاصة في الرحلات القصيرة أو المزدحمة. وأشاروا إلى أن الركاب غالبًا ما يفترضون النظافة بشكل تلقائي لمجرد أن المكان يبدو مرتبًا أو أن الشركة معروفة.
وأكدت إحدى المضيفات أن كثيرًا من الأبواب والمقابض لا تُمسح بشكل جيد، وأن الركاب يجب أن يتحملوا جانبًا من المسؤولية، من خلال حمل مناديل مطهرة أو معقمات يدوية واستخدامها بعد ملامسة أي سطح مشترك.
ماذا تقول الدراسات؟
كشفت دراسة بحثية أجريت قبل عدة سنوات، أن عينات مأخوذة من طائرات ركاب أظهرت وجود مستويات مرتفعة من الجراثيم على عدد من الأسطح الشائعة الاستخدام. الدراسة أثبتت أن:
80% من الطاولات القابلة للطي تحتوي على بكتيريا ضارة
50% من مقابض الحمام تحوي آثار برازية
أغطية المقاعد قد تنقل عدوى الجلد أو الفطريات
ومع أن بعض الشركات الكبرى بدأت خلال السنوات الأخيرة باستخدام أدوات تنظيف أوتوماتيكية وتعقيم بالبخار، إلا أن الفرق في الجودة بين شركة وأخرى يظل كبيرًا وملحوظًا.
كيف تحمي نفسك أثناء السفر؟
رغم أن هذه المعلومات قد تبدو مقلقة، إلا أن بالإمكان الحد من خطر العدوى والتلوث من خلال مجموعة بسيطة من الإجراءات الاحترازية، منها:
1. حمل مناديل معقمة واستخدامها لمسح الطاولة ومقعد الطائرة قبل الجلوس.
2. تجنب ملامسة الوجه بعد ملامسة أي سطح مشترك.
3. استخدام المعقم اليدوي بعد استخدام الحمام أو لمس أزرار الحزام والطاولة.
4. شرب المياه المعبأة في زجاجات مغلقة فقط، وتجنب شرب القهوة أو الشاي في الرحلات القصيرة.
5. استخدام مناديل خاصة لفتح أبواب الحمام أو الضغط على الأزرار.
6. تجنب وضع الطعام مباشرة على الطاولة القابلة للطي.
مستقبل أكثر نظافة؟
مع تزايد الوعي العالمي بالصحة والنظافة بعد جائحة كورونا، بدأت بعض شركات الطيران بتطبيق معايير أكثر صرامة في النظافة والتعقيم، بما في ذلك تعقيم شامل بين كل رحلة وأخرى، وتوزيع مناديل معقمة للركاب قبل الإقلاع.
ومع ذلك، تبقى المسؤولية مشتركة بين الر
كاب وشركات الطيران، لضمان بيئة سفر أكثر أمانًا، خاصة في الرحلات الطويلة أو التي تشهد كثافة ركابية مرتفعة.