جدل واسع أثاره الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بعد تصريحه على منصة تروث سوشال بوجوب السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور مجانًا عبر قناتي بنما والسويس! هاتان القناتان ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية.
تلك التصريحات أغضبت المصريين معتبرين أن كلام ترامب يفتقد إلى الحقيقة الولايات المتحدة الأمريكية كانت تلملم جراحها بعد حـ ـرب أهلية دمـ ـوية ضمن الأبشـ ـع في التاريخ بعد القضاء على الهنود الحمر السكان الأصليين للولايات.
المصريون قالوا على مواقع التواصل: فى الوقت ده لم توجد امريكا لنتحدث معاها من الأساس.
عقب افتتاح قناة السويس كانت الولايات المتحدة قد انتهت من الحرب الأهلية (1865-1861) وكانت تمر بفترة إعادة الإعمار الداخلي.
أمريكا لم تكن قوة بحرية عظمى وقت افتتاح قناة السويس وركزت على استقرارها الداخلي.
رغم دعوة الولايات المتحدة للمشاركة إلا أنها لم تمول المشروع.
كانت بريطانيا وفرنسا الأكثر تأثيرًا في قناة السويس.
ترامب لم يُشر إلى أن أمريكا حفرت القناة أو كانت سبب وجودها، بل ربط تصريحاته بالضربات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين، الذين يهاجمون السفن عند مدخل القناة بدعوى دعم غزة. يرى ترامب أن هذه الضربات، التي تهدف إلى حماية الملاحة، تُشكل “خدمة” لمصر، وبالتالي يطالب بمقابل يتمثل في إعفاء أمريكا من رسوم العبور.
في المقابل، ترفض مصر هذا المنطق، مؤكدة أن الحل لوقف هجمات الحوثيين يكمن في إنهاء الحرب في غزة، وليس توسيع الصراع عبر ضربات عسكرية.
خلفية تصريحات ترامب
خلال خطاب أو تصريحات علنية، أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تُعفى من رسوم عبور قناة السويس، معتبرًا أن الضربات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن تُسهم في حماية الملاحة في البحر الأحمر، وبالتالي تخدم مصر اقتصاديًا.
هجمات الحوثيين، التي بدأت كرد فعل على الحرب في غزة منذ أكتوبر 2023، استهدفت السفن التجارية عند مضيق باب المندب، مما أدى إلى انخفاض حركة الملاحة عبر قناة السويس بنسبة تجاوزت 40% في بعض الفترات، وفقًا لتقارير هيئة قناة السويس.
ترامب يرى أن التدخل العسكري الأمريكي، بالتعاون مع دول مثل بريطانيا، يُقلل من تأثير هجمات الحوثيين، ويُحافظ على تدفق التجارة عبر القناة، مما يبرر طلبه بإعفاء أمريكا من الرسوم.
ب. دوافع ترامب
السياسة الداخلية الأمريكية: تصريحات ترامب تأتي في سياق سعيه لتعزيز صورته كمدافع عن المصالح الاقتصادية الأمريكية، خاصة مع اقتراب الانتخابات أو في إطار حملاته السياسية.
الضغط على مصر: ترامب قد يستخدم هذه التصريحات كوسيلة للضغط على مصر لتغيير مواقفها الإقليمية، مثل دعم موقف أمريكي أكثر عدوانية ضد الحوثيين أو تعزيز التعاون الأمني.
حماية المصالح الإسرائيلية: الضربات الأمريكية ضد الحوثيين تهدف بشكل رئيسي إلى حماية الملاحة المرتبطة بإسرائيل، التي تُعد هدفًا رئيسيًا لهجمات الحوثيين. ترامب يُقدم هذه الضربات كـ”خدمة” لمصر لتبرير مطالبه.
2. موقف مصر: الرفض والمنطق الاستراتيجي
أ. رفض الضربات العسكرية
مصر رفضت مرتين المشاركة في الضربات العسكرية ضد الحوثيين، سواء في عهد الرئيس جو بايدن أو في سياق التوترات المستمرة. هذا الرفض يعكس رؤية مصر الاستراتيجية التي ترى أن توسيع الصراع في المنطقة لن يحل الأزمة، بل قد يزيدها تعقيدًا.
الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزارة الخارجية المصرية أكدا أن الحل الوحيد لوقف هجمات الحوثيين هو إنهاء الحرب في غزة، التي تُعتبر السبب الرئيسي لتصعيد الحوثيين. مصر ترى أن الضربات العسكرية تُشكل حلًا مؤقتًا يُفاقم التوترات دون معالجة جذور المشكلة.
ب. السيادة على قناة السويس
قناة السويس تُعد أحد أهم الأصول الاقتصادية والسيادية لمصر، حيث تُدر إيرادات سنوية تتجاوز 9 مليارات دولار (قبل أزمة الحوثيين). أي طلب بإعفاء دولة من رسوم العبور يُنظر إليه كتعدٍ على السيادة المصرية.
مصر تؤكد أن رسوم العبور تُستخدم لصيانة القناة، تحديث البنية التحتية، وضمان استدامتها كممر ملاحي عالمي. إعفاء أمريكا من هذه الرسوم سيُشكل سابقة خطرة قد تُشجع دولًا أخرى على تقديم مطالب مماثلة.
ج. التأثير الاقتصادي
هجمات الحوثيين تسببت في انخفاض إيرادات قناة السويس بنسبة تتراوح بين 30-50% في بعض الفترات خلال 2023-2024، وفقًا لتقديرات اقتصادية. هذا الانخفاض أثر على الاقتصاد المصري، الذي يعاني بالفعل من أزمة العملة الأجنبية.
مصر تُدرك أن الضربات الأمريكية قد تُساعد في تقليل الهجمات، لكنها لا تُحل المشكلة بشكل نهائي، حيث يستمر الحوثيون في استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل. بالتالي، مصر لا ترى أن هذه الضربات تُشكل “خدمة” تستحق مقابلًا.
3. منطق ترامب والرد المصري
أ. منطق ترامب: نظرة نقدية
حماية إسرائيل وليس القناة: الضربات الأمريكية تُركز بشكل رئيسي على حماية السفن المرتبطة بإسرائيل، التي تُعد الهدف الأساسي لهجمات الحوثيين. هذا يعني أن الهدف الاستراتيجي للضربات هو دعم إسرائيل، وليس بالضرورة حماية قناة السويس أو الاقتصاد المصري.
مطالب غير مبررة: قناة السويس هي ممر دولي تُديره مصر وفقًا لاتفاقية القسطنطينية (1888)، التي تُلزم جميع الدول بدفع رسوم العبور دون استثناء. طلب ترامب بإعفاء أمريكا يفتقر إلى أساس قانوني أو تاريخي.
تجاهل السياق الإقليمي: ترامب يتجاهل موقف مصر الذي يربط هجمات الحوثيين بالحرب في غزة، ويُقدم الضربات العسكرية كحل بينما مصر ترى أنها تُوسع الصراع
التركيز على الحل الجذري: مصر تُصر على أن إنهاء الحرب في غزة هو السبيل الوحيد لوقف هجمات الحوثيين، وهو موقف يتماشى مع رؤية دبلوماسية تهدف إلى نزع فتيل التوترات الإقليمية.
حماية السيادة: رفض مصر لمطالب ترامب يعكس التزامها بالحفاظ على السيادة على قناة السويس، التي تُعد رمزًا وطنيًا ومصدرًا اقتصاديًا حيويًا.
الحياد الاستراتيجي: من خلال رفض المشاركة في الضربات العسكرية، تحافظ مصر على حيادها في الصراعات الإقليمية، مما يعزز دورها كوسيط دبلوماسي في المنطقة.
4. التداعيات الاقتصادية والسياسية
أ. التداعيات الاقتصادية
استمرار الخسائر: طالما استمرت هجمات الحوثيين، ستظل إيرادات قناة السويس متضررة، مما يُفاقم الضغوط الاقتصادية على مصر. هذا يجعل مصر أكثر إصرارًا على إيجاد حل سياسي بدلاً من الاعتماد على الضربات العسكرية.
الضغط الأمريكي: مطالب ترامب قد تُشكل ضغطًا اقتصاديًا إضافيًا على مصر، خاصة إذا ارتبطت بشروط المساعدات الأمريكية أو التعاون الاقتصادي.
ب. التداعيات السياسية
توتر العلاقات المصرية-الأمريكية: تصريحات ترامب قد تُثير توترات دبلوماسية، خاصة إذا أُسيء تفسيرها كتعدٍ على السيادة المصرية.
تعزيز الموقف المصري إقليميًا: رفض مصر للضربات العسكرية وإصرارها على الحل السياسي يعزز صورتها كدولة تتبنى نهجًا دبلوماسيًا في مواجهة الصراعات.
دعم الرأي العام المصري: موقف مصر يحظى بتأييد واسع داخليًا، حيث يُنظر إلى قناة السويس كرمز وطني، وأي تنازل عن رسوم العبور سيُثير انتقادات شعبية.
تاريخ تأسيس قناة السويس
كان الفرعون سنوسرت الثالث، من الأسرة الثانية عشرة، هو الرائد في فكرة ربط البحرين الأبيض والأحمر عبر طريق غير مباشر من خلال نهر النيل وفروعه، وذلك لتعزيز التجارة وتيسير حركة المواصلات بين الشرق والغرب.
حيث كانت السفن القادمة من البحر الأبيض المتوسط تسير في النيل حتى الزقازيق، ومن ثم إلى البحر الأحمر عبر البحيرات المرة التي كانت متصلة به في ذلك الوقت. وما زالت آثار هذه القناة موجودة حتى اليوم في جنيفة بالقرب من السويس.
إعادة شق القناة (610 قبل الميلاد)
في عام 610 قبل الميلاد، تعرضت هذه القناة للانسداد بسبب تراكم الأتربة، مما أدى إلى تكون سد أرضي عزل البحيرات المرة عن البحر الأحمر نتيجة لعدم الصيانة لفترة طويلة. حاول الفرعون نخاو الثاني، المعروف باسم نيقوس، إعادة شق القناة، حيث تمكن من ربط النيل بالبحيرات المرة، لكنه لم ينجح في الاتصال بالبحر الأحمر. وفي عام 510 قبل الميلاد، اهتم الملك الفارسي دارا الأول بالقناة، حيث أعاد ربط النيل بالبحيرات المرة، ولكنه أيضاً لم ينجح في وصلها بالبحر الأحمر إلا عبر قنوات صغيرة لم تكن صالحة للملاحة إلا خلال موسم فيضان النيل.
**بداية تاريخ قناة السويس**
يبدأ التاريخ الحقيقي لقناة السويس من فرمان الامتياز الأول وما تلاه من فرمانات، مرورًا بضربة الفأس الأولى في أعمال الحفر، وصولاً إلى انتهاء أعمال الحفر في 18 أغسطس 1869، والتي توجت بحفل الافتتاح في 17 نوفمبر 1869.
فرمان الامتياز الأول
صدر فرمان الامتياز الأول الذي منح فرديناند ديلسبس حق إنشاء شركة لشق قناة السويس في 30 نوفمبر 1854. ينص هذا الفرمان في مادته الأولى على وجوب تأسيس ديلسبس لشركة يشرف عليها، وفي مادته الثانية يتم تعيين مدير الشركة من قبل الحكومة المصرية.
كما ينص على أن مدة الامتياز ستكون تسعًا وتسعين سنة تبدأ من تاريخ فتح القناة، وأن الحكومة المصرية ستحصل سنويًا على 15% من صافي أرباح الشركة. كما تم الاتفاق على أن رسم المرور في القناة يكون بالتفاهم بين الخديو والشركة، مع ضمان معاملة جميع الدول بالمثل دون تمييز.
فرمان الامتياز الثاني
صدر فرمان الامتياز الثاني في 5 يناير 1856، ويتضمن 23 مادة توضح تفاصيل الفرمان الأول.
وتؤكد المواد 14 و15 من الفرمان الثاني بشكل واضح حياد القناة، حيث تنص المادة 14 على أن “القناة البحرية الكبرى من السويس إلى الطينة والمرافئ التابعة لها مفتوحة على الدوام بوصفها ممراً محايداً لكل سفينة تجارية”.
تأسيس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية
تأسست الشركة العالمية لقناة السويس البحرية في 15 ديسمبر 1858 برأس مال قدره 200 مليون فرنك (8 ملايين جنيه)، مقسمة على 400,000 سهم قيمة كل منها 500 فرنك.
كما خصصت الشركة لكل دولة عددًا معينًا من الأسهم، وكان نصيب مصر 92136 سهمًا. ورغم رغبة مصر في دعم المشروع، اضطرت للاستدانة بمبلغ 28 مليون فرنك (1,120,000 جنيه) بفائدة مرتفعة لشراء نصيبها، مما زاد إجمالي أسهمها إلى 177642 سهمًا، بقيمة تقترب من نصف رأس مال الشركة.
بدء العمل في حفر قناة السويس
في 25 أبريل 1859، بدأ العمل في حفر قناة السويس على الرغم من الاعتراضات من إنجلترا والباب العالي. وقد تدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط في بحيرة التمساح في 18 نوفمبر 1862، والتي كانت وقتها منخفضًا محاطًا بالكثبان الرملية، مما أتاح التقاء مياه البحرين الأبيض والأحمر في 18 أغسطس 1869.
وانتهت أعمال المشروع الضخم الذي استغرق عشر سنوات، بعد استخراج 74 مليون متر مكعب من الأتربة، بكلفة تجاوزت 433 مليون فرنك.
افتتاح القناة في حفل بـ 17 نوفمبر 1869
أقيم حفل افتتاح القناة في 17 نوفمبر 1869 بحضور ستة آلاف مدعو، وكان من بينهم الإمبراطورة أوغيني زوجة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث، وإمبراطور النمسا، وملك المجر، وعدد من الشخصيات البارزة. شهد الحفل عبور السفينة “إيغيل” وعلى متنها كبار المدعوين، تبعتها 77 سفينة، من بينها 50 سفينة حربية. وقد أنفق الخديوي إسماعيل نحو مليون ونصف مليون جنيه على الاحتفالات والمهرجانات التي أقيمت بهذه المناسبة.