رفعت وكالة “إس آند بي غلوبال ريتنغز” تصنيف مصر الائتماني السيادي طويل الأجل إلى “B” من “B-“، مع الحفاظ على نظرة مستقبلية مستقرة.
جاء هذا الصعود في تقرير صدر، 10 أكتوبر 2025، مشيدةً بالإصلاحات الحكومية الشاملة التي أجرتها السلطات خلال الأشهر الـ18 الماضية، والتي أدت إلى انتعاش حاد في النمو الاقتصادي وتحسن في ميزان المدفوعات.
من جانبها، أكدت وكالة “فيتش ريتنغز” تصنيف مصر عند مستوى “B”، مع نظرة مستقبلية مستقرة أيضًا، في تقريرها الصادر اليوم نفسه. وأبرزت الوكالة التوازن بين قوى الاقتصاد المصري النسبيًا الكبير وإمكانات نمو الناتج المحلي الإجمالي المرتفعة، مدعومة بدعم قوي من الشركاء الثنائيين والدوليين، مقابل التحديات المستمرة مثل ضعف المالية العامة والمخاطر الخارجية.
إصلاحات حاسمة تدفع عجلة الانتعاش
أكدت “إس آند بي” أن الإصلاحات الرئيسية، بما في ذلك التحول إلى نظام سعر صرف مرن وتحرير سوق العملة الأجنبية في مارس 2024، ساهمت في ارتفاع معدلات النمو وزيادة تدفقات السياحة والتحويلات المالية. وأشارت إلى أن هذه التغييرات أدت إلى تحسن ملحوظ في صافي التدفقات المالية، مما عزز الوضع الخارجي للاقتصاد المصري بشكل عام.
وفقًا للتقرير، تباطأ النمو الاقتصادي الحقيقي إلى 2.4% في السنة المالية 2024، لكنه انتعش بشكل حاد بعد تعديل سعر الصرف، مسجلاً 4.4% في السنة المالية 2025. وتتوقع الوكالة أن يصل متوسط النمو إلى 4.8% خلال الفترة 2026-2028، مدعومًا ببرنامج صندوق النقد الدولي الضخم الذي يبلغ قيمته 57 مليار دولار، والذي يوفر ركيزة سياسية قوية رغم التقلبات العالمية الناجمة عن التعريفات الجمركية والمخاطر الجيوسياسية الإقليمية.
أما “فيتش”، فقد شددت على التحسن في احتياطي مصر من العملات الأجنبية، الذي ارتفع إلى مستويات تغطي 4.4 شهرًا من المدفوعات الخارجية الحالية بنهاية السنة المالية 2025، ومن المتوقع أن يصل إلى 4.2 شهرًا بنهاية 2027. كما أشارت إلى عدم وجود تباين كبير بين الأسعار الرسمية والموازية للصرف منذ توحيدها في مارس 2024، مع غياب أي تراكمات في سوق الصرف الأجنبي.
تراجع الضغوط التمويلية الخارجية
أبرزت “إس آند بي” انحسار الضغوط على التمويل الخارجي، متوقعة أن تتجاوز التدفقات الصافية للحساب المالي عجز الحساب الجاري حتى السنة المالية 2028. وتشير التوقعات إلى ارتفاع الاحتياطيات القابلة للاستخدام لدى البنك المركزي المصري إلى 42 مليار دولار بحلول ذلك العام، مع انخفاض صافي الدين الخارجي المعدل (بعد خصم الأصول السائلة) إلى 84% من إيرادات الحساب الجاري في المتوسط خلال 2025-2028، مقارنة بـ134% في 2021-2024.
في الربع الثاني من 2025 (أبريل-يونيو)، ارتفعت إيرادات السياحة بنسبة 20%، مما يعكس انتعاشًا قويًا بعد جائحة كورونا، بينما زادت التحويلات من المغتربين بنسبة 36.5%، مساهمة في تعزيز تدفقات العملة الصعبة.
تحديات مستمرة: عبء الدين والتضخم
رغم هذه الإيجابيات، حذرت “إس آند بي” من استمرار ارتفاع الديون الحكومية والعجز المالي، بما في ذلك الالتزامات التجارية الخارجية. وأشارت إلى أن النظرة المستقرة تعكس التوازن بين تحسن آفاق النمو وميزان المدفوعات، مقابل هذه التحديات. كما تتوقع الوكالة ضبطًا تدريجيًا لأوضاع المالية العامة، مدعومًا بأهداف الفوائض الأولية المرتبطة ببرنامج صندوق النقد، مع تحقيق فائض أولي بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2025.
أما عبء خدمة الدين، فيظل مرتفعًا جدًا، حيث أدى رفع أسعار الفائدة إلى 27.25% في مارس 2024 إلى زيادة تكاليف الدين المحلي. ومع ذلك، مع تراجع التضخم منذ فبراير 2025، بدأ البنك المركزي دورة خفض الفائدة. تتوقع “إس آند بي” بدء انخفاض هذه التكاليف تدريجيًا من 2027، لكنها ستظل أعلى من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، مع انخفاض مدفوعات الفائدة إلى 49% من الإيرادات الحكومية بحلول 2028، مقارنة بـ73% في 2025.
من جانبها، أشارت “فيتش” إلى تراجع التضخم إلى 11.7% في سبتمبر 2025، مقارنة بـ26.5% في العام السابق، نتيجة تأثيرات فترة الأساس، وتباطؤ أسعار الغذاء، واستقرار سعر الصرف، وتشديد السياسة النقدية. وتتوقع أن يصل متوسط التضخم إلى 12.3% في السنة المالية 2026، مع خفض سعر الفائدة الأساسي من 21.5% إلى مستوى يحقق معدلًا حقيقيًا قريبًا من 4% بحلول 2027.
نظرة مستقبلية: فرص ومخاطر
تعكس هذه التصريفات الإيجابية ثقة الوكالات الدولية في قدرة مصر على مواصلة مسار الإصلاحات، خاصة مع دعم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتوقعة بمتوسط 16.5 مليار دولار سنويًا حتى 2026، مدعومة بمشاريع مثل رأس الحكمة. ومع ذلك، تظل المخاطر الجيوسياسية، مثل التوترات الإقليمية الناجمة عن الحرب في غزة وتهديدات الحوثيين لقناة السويس، عوامل يجب مراقبتها بعناية.def3a7