أثارت تصريحات السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة المصرية السابقة، جدلاً واسعًا في الأوساط الإعلامية والشعبية على خلفية قضية ابنها رامي هاني منير فهيم، المتهم بارتكاب جريمة قتل مزدوجة في الولايات المتحدة في أبريل 2022. تصريحات مكرم، التي تنوعت بين الدفاع عن ابنها كأم، التأكيد على إصابته بمرض نفسي، ومحاولة الفصل بين دورها الشخصي والرسمي، أثارت تساؤلات حول مدى اتساقها وتأثيرها على صورتها كمسؤولة سابقة. هذا التقرير يستعرض تناقضات تصريحاتها، مستندًا إلى مصادر إعلامية موثوقة، مع تحليل السياق الذي أحاط بهذه القضية الحساسة.
خلفية القضية
في 19 أبريل 2022، اتهم رامي هاني منير فهيم، البالغ من العمر 26 عامًا، بقتل زميلين له في العمل، جريفين كومو وجوناثان باهم، طعنًا في مدينة أنهايم بولاية كاليفورنيا. وفقًا لمكتب المدعي العام في مقاطعة أورانج كاونتي، تم توجيه اتهامات لفهيم تجعله مؤهلاً لعقوبة الإعدام بسبب طبيعة الجريمة التي ارتكبت مع سبق الإصرار والترصد.
رامي، الذي كان يعمل في شركة “Pence Wealth Management” المملوكة لسيدة أعمال مصرية الأصل، ليلى بنس، تعرض للتنمر في طفولته وأظهر علامات اضطراب نفسي في 2021، حيث أُدخل إلى مصحة نفسية في الولايات المتحدة. هذه الخلفية شكلت أساس دفاع مكرم عن ابنها، لكن تصريحاتها أثارت جدلاً بسبب تناقضاتها الظاهرة.
تصريحات مكرم: بين الأمومة والمسؤولية العامة
في أول تعليق رسمي لها في 28 مايو 2022، نشرت مكرم بيانًا عبر صفحتها على فيسبوك، قالت فيه: “أنا وأسرتي نتعرض لمحنة شديدة، وبنمر بوقت عصيب على إثر اتهام ابني بارتكاب جريمة قتل بالولايات المتحدة الأمريكية، هذا الاتهام منظور أمام محكمة أمريكية ولم يصدر به حكم قاطع حتى الآن.” وأكدت أن قيامها بواجباتها كوزيرة “لا يتعارض إطلاقًا مع كوني أم مؤمنة تواجه بشجاعة محنة ابنها.”
هذا البيان أثار انقسامًا بين الجمهور. فمن جهة، تعاطف البعض مع مكرم كأم تواجه أزمة شخصية، مثل ياسمين محفوظ التي كتبت على منصة إكس: “ربنا معاكي ويقويكي يارب وينجي ابنك.” بينما هاجم آخرون محاولتها الفصل بين دورها الشخصي والعام، مشيرين إلى تصريحات سابقة لها في 2019 أثناء لقاء مع الجالية المصرية في كندا، حيث قالت: “أي حد يقول كلمة على مصر يتقطع”، مرفقة بإشارة النحر، مما اعتُبر تحريضًا ضد المعارضين. هذه التصريحات القديمة أُثيرت للتشكيك في أخلاقيات مكرم وتربية ابنها، مما زاد من حدة الانتقادات.
في يناير 2023، ظهرت مكرم في برنامج “حديث القاهرة” على قناة “القاهرة والناس”، وكشفت لأول مرة أن ابنها كان يعاني من مرض نفسي (الفصام)، وأن “أصواتًا غريبة أمرته بالقتل.” هذا التصريح جاء بعد تقديم فريق الدفاع مستندات تثبت إصابة رامي بالفصام، مطالبًا بتقييم حالته النفسية. لكن في سبتمبر 2022، أثناء جلسة محاكمة، نفى رامي ارتكاب الجريمتين رغم الأدلة ضده، مما أثار تساؤلات حول صدق رواية المرض النفسي.
في أبريل 2024، أكدت مكرم خلال برنامج “كلم ربنا” على قناة “المحور” أنها تواصل زيارة ابنها كل ثلاثة أشهر في السجن، مشيرة إلى أنها “تمنعت من زيارته في إحدى المرات، لكنها قبلت إرادة الله.” وفي الجلسة الخامسة لمنتدى فاطمة بنت مبارك بالإمارات في أكتوبر 2024، أعلنت أنها “ستقف بجانب ابنها حتى يعود بسلامة إلى بلده”، معربة عن أملها في حضوره المؤتمر القادم ليروي تجربته. هذه التصريحات عكست إصرارها على دعم ابنها، لكنها أثارت انتقادات بسبب عدم الإشارة إلى الضحايا أو أسرهم في بعض السياقات.
التناقضات في التصريحات
الفصل بين الشخصي والعام مقابل طلب الاستقالة:
في بيانها الأول، أكدت مكرم أن دورها كوزيرة لا يتعارض مع كونها أم تدافع عن ابنها. لكن في أكتوبر 2024، كشفت أنها طلبت الاستقالة من منصبها بعد الحادث لتجنب تعريض الحكومة للنقد وللوقوف بجانب ابنها، لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي رفض الاستقالة. هذا التناقض أثار تساؤلات حول مدى التزامها بالفصل بين المسؤوليات، خاصة مع استمرارها في المنصب حتى نهاية فترتها.
التأكيد على المرض النفسي مقابل نفي الجريمة:
ركزت مكرم في تصريحاتها لاحقًا على إصابة ابنها بالفصام، مشيرة إلى أن “أصواتًا غريبة” دفعته للقتل، مدعومة بمستندات طبية أمريكية. لكن نفي رامي للجريمة أمام المحكمة في سبتمبر 2022، رغم الأدلة القوية، أثار شكوكًا حول مصداقية هذا الدفاع. بعض المنتقدين رأوا أن مكرم قد تستخدم المرض النفسي كوسيلة لتخفيف الحكم بدلاً من مواجهة الاتهامات بشكل مباشر.
التعاطف مع الضحايا مقابل التركيز على ابنها:
في بيانها الأول، طلبت مكرم الدعاء لابنها وللضحايا، محاولة إظهار التعاطف مع أسر الضحايا. لكن في تصريحات لاحقة، مثل حديثها في منتدى فاطمة بنت مبارك، ركزت بشكل رئيسي على دعم ابنها وآماله في عودته، دون إشارة واضحة إلى الضحايا أو أسرهم، مما اعتبره البعض تجاهلاً لمعاناتهم. هذا التحول أثار انتقادات من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين طالبوا بمزيد من الحساسية تجاه أسر الضحايا.
ردود الفعل العامة
القضية أثارت انقسامًا حادًا في مصر. فمن جهة، تعاطف البعض مع مكرم كأم تواجه محنة شخصية، كما عبر حساب على إكس باسم “أنا بنت الدولة”: “مازال متهم ولم تثبت إدانته، فبلاش تجلدوها ارحموا قلبها كأم.” من جهة أخرى، هاجم آخرون تصريحاتها، مستشهدين بتصريحها في 2019 عن “الذبح”، معتبرين أنها تعكس نهجًا عدوانيًا يتناقض مع دورها كمسؤولة عامة. البعض طالب باستقالتها، معتبرين أن قضية ابنها تلقي بظلالها على مصداقيتها كوزيرة.