في مواجهة خطة دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة، التي أعلنها مؤخراً وتشمل وقف إطلاق النار، نزع سلاح المقاومة، وانسحاب إسرائيلي تدريجي مع مشاركة دول عربية، برزت مصر كلاعب رئيسي في تعزيز موقف الفصائل الفلسطينية.
من خلال رفض قاطع لفكرة التهجير، تقديم خطة بديلة لإعادة الإعمار، وجهود دبلوماسية مكثفة، ساهمت القاهرة في الحفاظ على السيادة الفلسطينية ومنع تحويل غزة إلى “ريفييرا” أمريكية كما يطمح ترامب. هذه الخطوات ليست مجرد رد فعل، بل استراتيجية مدروسة تحمي المقاومة من الضغوط الأمريكية، مع التركيز على دعم السلطة الفلسطينية وحماس دون التخلي عن الحقوق الفلسطينية الأساسية.
رفض التهجير: خط أحمر مصري يحمي وجود الفلسطينيين في غزة
أبرزت مصر رفضها الشديد لاقتراح ترامب بنقل الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، سواء مؤقتاً أو دائماً، معتبرة إياه “جريمة تطهير عرقي” تهدد الاستقرار الإقليمي والأمن القومي المصري.
الرئيس عبد الفتاح السيسي حذر من أن مثل هذا الإجراء قد يُشعل فتيل عدم الاستقرار داخل مصر، خاصة مع روابط حماس بالإخوان المسلمين، مما يعزز من تهديدات داخلية.
بدلاً من ذلك، أكدت القاهرة أن غزة يجب أن يحكمها الفلسطينيون فقط، مع فتح معبر رفح 24 ساعة يومياً لإدخال المساعدات الإنسانية، حيث ينتظر أكثر من 7 آلاف شاحنة مساعدات، ودعت إسرائيل إلى فتح 5 معابر إضافية كمسؤولية احتلال.
هذا الموقف لم يقتصر على التصريحات، بل امتد إلى السماح باحتجاجات شعبية كبيرة على الحدود في 31 يناير 2025، مما أرسل رسالة قوية لترامب بأن مصر لن تكون شريكاً في تهجير الفلسطينيين.
هكذا، عززت مصر موقف المقاومة بتشكيل جبهة عربية موحدة مع الأردن والسعودية، وتنسيق مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين لمواجهة الضغط الأمريكي، مما يمنح الفلسطينيين وقتاً إضافياً لتنظيم مقاومتهم الدبلوماسية والشعبية.
الخطة المصرية البديلة: إعادة إعمار يعزز السيادة الفلسطينية
قدمت مصر في قمة عربية بالقاهرة في 4 مارس 2025 خطة شاملة لإعادة إعمار غزة على مدى 5 سنوات بتكلفة 53 مليار دولار، تركز على إزالة الركام والذخائر غير المنفجرة في الأشهر الستة الأولى بواسطة لجنة خبراء فلسطينية تحت إشراف السلطة الفلسطينية، تليها مرحلة إعادة بناء لـ4.5 سنوات تنفذها شركات مصرية بتمويل دولي.
الخطة تقترح نشر قوات حفظ سلام أممية في غزة والضفة الغربية، مع تجميد الأنشطة العسكرية مؤقتاً لكن دون نزع سلاح حماس إلا في إطار عملية سلام موثوقة، وإنشاء صندوق خاص للإعمار.
تختلف هذه الخطة جذرياً عن رؤية ترامب، التي تتضمن سيطرة أمريكية وتحويل غزة إلى منطقة سياحية فاخرة مع نزوح السكان، حيث تركز المبادرة المصرية على الحفاظ على السكان في أماكنهم وتعزيز الذاتية الفلسطينية.
وصفها خبراء بأنها “أعمق وأكثر واقعية”، إذ تؤجل مصير حماس للشعب الفلسطيني وتضمن دوراً للسلطة في الإدارة الانتقالية، مما يعزز وحدة الفصائل ويمنع فصل غزة عن الضفة الغربية.
كما أنها ترفض ضم الضفة وتدعو لتوحيد الأراضي الفلسطينية نحو دولة مستقلة، مما يقوي موقف المقاومة أمام الثغرات في خطة ترامب مثل عدم ضمان انسحاب إسرائيلي كامل.
الدعم الدبلوماسي: وساطة ورفض استبعاد السلطة الفلسطينية
غضبت مصر من استبعاد خطة ترامب للسلطة الفلسطينية، معتبرة إياها “ضعيفة” في ضمان السيادة، ورفضت إرسال قوات إلى غزة إلا بشرط انسحاب إسرائيلي كامل ودور واضح للسلطة.
بدلاً من ذلك، تدرب القاهرة قوات السلطة الأمنية لنشرها المستقبلي في غزة، وتستضيف مباحثات بين الفصائل الفلسطينية لتحديد مستقبل القطاع، مع تقدير رد حماس على الخطة كـ”موقف وطني مسؤول”.
كما أن وزير الخارجية بدر عبد العاطي أكد أن مصر ستساهم في أي قوة دولية بشرط إصلاحات، مشدداً على أن “الشيطان يكمن في التفاصيل” وأن التنفيذ يحتاج توافقاً.
هذه الجهود الوساطية، بالتعاون مع قطر، ساعدت في دفع حماس للقبول الجزئي بالخطة مع طلب محادثات إضافية، مما يعكس تأثير مصر في تعزيز المفاوضات دون التنازل عن المبادئ الفلسطينية.