يُعد سوق السيارات المصري واحدًا من أكثر الأسواق تفردًا في العالم، حيث يتحكم عاملان رئيسيان في ديناميكيته: السعر والسمعة.
سواء كانت السيارة جديدة أو مستعملة، تظل هذه العناصر هي المحرك الأساسي لقرارات الشراء، متجاوزةً معايير الجودة، الأمان، أو الأداء.
واقع سوق السيارات المصري، ينقسم إلى سوقي المستعمل والجديد، مع التركيز على التحديات والعوامل التي تشكل هذا السوق.
أولاً: سوق السيارات المستعملة – السعر يحكم
يتمحور سوق السيارات المستعملة في مصر حول السعر كعامل حاسم، يتقدم على جودة السيارة، حالة الصيانة، أو توفر قطع الغيار.
يبدأ المشتري -سواء كان مستهلكًا عاديًا أو تاجرًا- رحلته بالبحث عن سيارة بسعر منخفض، تاركًا تقييم الحالة الفنية لمرحلة لاحقة.
هذه الديناميكية خلقت علاقة متوترة بين البائع والمشتري، حيث يسود الشك المتبادل وتتفاقم التحديات بسبب عوامل رئيسية:
- غياب الثقة: يسود اعتقاد عام بأن البائع يخفي عيوب السيارة، نتيجة تكرار حالات الغش وغياب الضمير المهني في بعض المعاملات، مما يجعل المشتري يتعامل بحذر مفرط، متوقعًا وجود “عِلة” خفية.
- الظروف الاقتصادية: ضعف القدرة الشرائية يجعل قرار شراء سيارة مستعملة قرارًا مصيريًا، حيث لا مجال لتصحيح أي خطأ في الاختيار، مما يعزز الحرص المبالغ فيه على السعر.
- رفض الخسارة: يسعى كل من البائع والمشتري لتحقيق أقصى مكاسب دون قبول أي تنازلات. التاجر، على وجه الخصوص، يرفض خفض السعر حفاظًا على رأس ماله، بينما يصر المشتري على صفقة رخيصة.
هذه العوامل أدت إلى تدهور جودة السيارات المستعملة المتداولة في السوق، حيث تهيمن السيارات ذات الحالة الرديئة بأسعار مرتفعة، نتيجة رفض البائعين التخفيض رغم تحسن أسعار السيارات الجديدة.
ثانيًا: سوق السيارات الجديدة – السمعة تتفوق على الجودة
شهد سوق السيارات الجديدة في مصر انخفاضًا في الأسعار مؤخرًا، مدفوعًا بانخفاض سعر الدولار وزيادة المنافسة من السيارات الصينية.
ومع ذلك، يظل السوق محدودًا بحوالي 10 موديلات رئيسية تهيمن على المبيعات، نتيجة صغر حجم السوق مقارنة بعدد السكان، وضعف القدرة الشرائية للغالبية.في هذا السوق، يتفوق السعر وسعر إعادة البيع كمحددات أساسية على عوامل مثل جودة التصنيع، الأمان، أو الراحة.
ينظر المصريون إلى السيارة كأصل استثماري وليس كمنتج استهلاكي، على عكس معظم الأسواق العالمية، حيث يُتوقع انخفاض قيمة السيارة مع الزمن.
هذا المنظور أدى إلى ظاهرة غريبة: تفوق السيارات منخفضة الجودة في المبيعات، بينما تُهمل السيارات ذات الجودة العالية. الأسباب تشمل:
- ضعف القدرة الشرائية: يتجه المستهلكون إلى السيارات الرخيصة ذات القيمة المنخفضة، لأن السيارات عالية الجودة غالبًا خارج نطاق قدراتهم المالية.
- سمعة الميكانيكيين: السيارات منخفضة التكنولوجيا، التي تتكون من محرك وعجلات وهيكل بسيط، تُفضل من قبل العمالة غير الماهرة لسهولة صيانتها. هؤلاء يروجون لهذه السيارات تحت مسميات “الاعتمادية” و”قلة الأعطال”، رغم ضعف أدائها وانخفاض عمر قطع الغيار.
- تأثير المؤثرين الرقميين: يثق المستهلكون في آراء اليوتيوبرز والبلوجرز، الذين غالبًا ما يتم دعوتهم لحدث إطلاق السيارات من قبل الوكلاء، مما يؤثر على حياديتهم. هؤلاء قد يتجنبون انتقاد السيارات منخفضة الجودة، مما يعزز انتشارها على حساب الخيارات الأفضل.
- توفر قطع الغيار: تركيز السوق على سيارات معينة يشجع التجار على استيراد قطع غيارها، مما يعزز جاذبيتها مقارنة بالسيارات الأقل شيوعًا التي تعاني من ارتفاع تكاليف الصيانة في التوكيلات.