في عالم كرة القدم، لم تعد الرعايات تقتصر على العلامات التجارية الكبرى والشركات العالمية، بل بدأت الدول تدخل بقوة في هذا المجال، ليس فقط لأغراض دعائية، ولكن كأداة استراتيجية لتحسين صورتها عالميًا. وفي هذا الإطار، جاءت الأنباء مؤخرًا حول اقتراب نادي برشلونة الإسباني من توقيع عقد رعاية فريد من نوعه مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، بقيمة ضخمة تصل إلى 44 مليون يورو لمدة أربع سنوات ، بحسب ما كشفته صحيفة “موندو ديبورتيفو” الإسبانية، فإن المحادثات بين برشلونة والجانب الكونغولي بدأت قبل أسابيع.

وتقدمت بشكل لافت، حتى وصلت إلى المراحل النهائية. الصفقة تنص على وضع شعار الكونغو الديمقراطية “RDC قلب إفريقيا” على ظهر قميص النادي الكتالوني، وتحديدًا على ملابس التدريب الخاصة بالفريق الأول للرجال، بالإضافة إلى تواجد اسم الدولة على منصات النادي الرسمية.

هذه الخطوة تأتي في وقت حساس بالنسبة لبرشلونة، حيث يواجه النادي أزمات مالية خانقة منذ عدة سنوات، ويتطلع إلى أي حلول مبتكرة من شأنها ضخ أموال جديدة إلى خزائنه، خاصة مع ضغوطات قوانين اللعب المالي النظيف التي تفرض قيودًا صارمة على التعاقدات.

لماذا الكونغو الديمقراطية تحديدًا؟

قد يتساءل البعض: لماذا تتجه الكونغو الديمقراطية، وهي دولة تقع في وسط إفريقيا وتعاني من تحديات اقتصادية، إلى إبرام عقد رعاية مع واحد من أكبر أندية العالم؟ الحقيقة أن الإجابة تكشف عن أبعاد تتخطى مجرد الترويج الرياضي.

الكونغو الديمقراطية تسعى منذ سنوات إلى تحسين صورتها العالمية، سواء كوجهة سياحية أو كدولة غنية بالموارد الطبيعية. امتلاكها ثروات ضخمة من المعادن مثل الكوبالت والنحاس جعلها محل اهتمام عالمي، لكنها في نفس الوقت تعاني من صورة ذهنية مرتبطة بالحروب والصراعات. ومن هنا، يأتي التوجه إلى الرياضة، وتحديدًا كرة القدم، كمنصة مثالية لتغيير هذه الصورة وتعزيز الحضور الدولي للدولة.

تجارب سابقة ألهمت الصفقة

الكونغو الديمقراطية ليست الدولة الوحيدة التي استخدمت كرة القدم كوسيلة دعائية ، قبل أسابيع قليلة فقط، أعلنت جمهورية الكونغو عن توقيع عقد رعاية مع نادي موناكو الفرنسي يمتد حتى 2028، يتضمن برامج تطوير كروي، إلى جانب ظهور شعار الدولة على ملابس الفريق.

بل إن هذه الفكرة بدأت تنتشر في إفريقيا، حيث تلجأ عدة دول إلى إبرام شراكات مع أندية أوروبية من أجل الترويج لأراضيها، تشجيع الاستثمار، وتنشيط السياحة. لكن خطوة الكونغو مع برشلونة تبقى الأكبر من حيث القيمة المالية والحضور العالمي.

مكاسب برشلونة من الصفقة

من منظور برشلونة، الصفقة تمثل مكسبًا اقتصاديًا كبيرًا. فالنادي الذي كان يعاني حتى وقت قريب من صعوبة تسجيل صفقاته الجديدة في رابطة الدوري الإسباني بسبب مشكلات الرواتب والإيرادات، أصبح أمام فرصة لضخ 11 مليون يورو سنويًا إلى ميزانيته من خلال هذه الرعاية.

الأمر لا يتوقف فقط على الدعم المالي المباشر، بل من المتوقع أيضًا أن يفتح التواجد مع دولة إفريقية كبيرة مثل الكونغو أبوابًا جديدة أمام النادي لتوسيع قاعدته الجماهيرية في القارة السمراء، وبالتالي تعزيز عقود البث والمبيعات.

الجانب الاقتصادي والدبلوماسي

يؤكد خبراء الاقتصاد الرياضي أن هذه الرعايات التي تقوم بها دول مع الأندية الأوروبية تنتمي إلى ما يعرف بـ”الدبلوماسية الرياضية”. فبجانب العوائد التجارية، تستغل الدول شهرة الأندية الكبرى للتأثير سياسيًا وثقافيًا، ولتعزيز حضورها في المشهد الإعلامي العالمي.

الكونغو الديمقراطية من خلال هذه الصفقة لا تروج فقط لاسمها، بل تسعى لإظهار نفسها كدولة منفتحة، مستقرة، ومستعدة لاستقبال الاستثمارات، مع رسالة غير مباشرة إلى العالم بأنها ليست فقط بلد الموارد، بل أيضًا بلد الرياضة والثقافة.

ردود فعل متباينة

كما هو الحال مع أي خطوة جديدة، أثارت الصفقة ردود فعل متباينة داخل الأوساط الرياضية. البعض يرى أن التوجه نحو مثل هذه الرعايات أمر مشروع في ظل الاحترافية الكبيرة التي تشهدها كرة القدم، بينما انتقد آخرون انخراط الدول في رعاية الأندية الأوروبية الكبرى بدلًا من تركيز جهودها على تطوير الرياضة المحلية.

لكن الواقع يؤكد أن هذه الصفقات أصبحت جزءًا من صناعة كرة القدم الحديثة، التي لم تعد تعتمد فقط على المهارات الفنية، بل على الشراكات الاقتصادية العالمية.

برشلونة والرهان على القارة الإفريقية

ليست هذه المرة الأولى التي ينخرط فيها برشلونة في مشاريع داخل القارة الإفريقية، إذ سبق للنادي الكتالوني أن أطلق أكاديميات كروية في عدة دول إفريقية، كما لعب مباريات استعراضية خيرية لصالح مبادرات إنسانية.

ولكن الصفقة مع الكونغو تمثل نقلة نوعية في العلاقة مع إفريقيا، من خلال شراكة رسمية مباشرة مع دولة إفريقية، وهو ما يعكس توجه الإدارة الجديدة للنادي بقيادة خوان لابورتا إلى البحث عن حلول خارج الصندوق لإنقاذ الوضع الاقتصادي للنادي.

هل تنجح التجربة؟

تبقى الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على سؤال مهم: هل تنجح الكونغو الديمقراطية في استثمار هذه الصفقة للترويج الإيجابي لبلادها؟ وهل يستفيد برشلونة ماليًا ورياضيًا من هذه الشراكة؟

الأكيد أن الصفقة خلقت حالة جدل واسعة، وجعلت الكونغو الديمقراطية تتصدر عناوين الصحف الرياضية في أوروبا، وهو ما قد يكون بداية لظهور دول جديدة على ساحة الرعايات الكروية الكبرى.

في النهاية، كرة القدم اليوم لم تعد مجرد لعبة، بل منصة اقتصادية ضخمة، يتشابك فيها المال، الدبلوماسية، والإعلام، وصفقة الكونغو الديمقراطية مع برشلونة هي أحدث دليل على ذلك.