يُعد نظام عقود الإيجار القديم في مصر من القضايا الاجتماعية والاقتصادية المثيرة للجدل، حيث يواجه تحديات معقدة تؤثر على ملايين المواطنين من المستأجرين وأصحاب العقارات على حد سواء.
يعود هذا النظام إلى قوانين تم سنها منذ منتصف القرن العشرين، وتحديدًا قانون الإيجار القديم رقم 136 لسنة 1981 وما قبله، والتي تمنح المستأجرين حقوقًا واسعة، مثل تثبيت قيمة الإيجار وإمكانية توريث العقد.
ورغم أن هذه القوانين هدفت إلى حماية المستأجرين ذوي الدخل المحدود، إلا أنها أثارت تحديات كبيرة تتطلب إصلاحات عاجلة لموازنة حقوق الطرفين.
التحديات الرئيسية لعقد الإيجار القديم
انخفاض قيمة الإيجار مقارنة بالسوق
تُعد قيمة الإيجار المنخفضة بشكل كبير واحدة من أبرز التحديات.
في ظل التضخم الاقتصادي وارتفاع تكاليف صيانة العقارات، أصبحت الإيجارات القديمة، التي قد لا تتجاوز بضعة جنيهات شهريًا في بعض الحالات، غير كافية لتغطية تكاليف الصيانة أو الضرائب العقارية. هذا الأمر يضع أصحاب العقارات في موقف مالي صعب، حيث يرون أن ممتلكاتهم تُستغل دون عائد عادل.
توريث العقود واستمراريتها
يسمح قانون الإيجار القديم بتوريث عقد الإيجار للأقارب من الدرجة الأولى، مما يعني استمرار العقد لعقود طويلة دون إمكانية استعادة العقار من قبل المالك.
هذا الوضع يحد من قدرة أصحاب العقارات على التصرف في ممتلكاتهم، مما يثير استياءً واسعًا بينهم.
تدهور حالة العقارات
نظرًا لعدم كفاية الإيجارات لتغطية تكاليف الصيانة، تعاني العديد من العقارات القديمة من التدهور، مما يهدد سلامة السكان ويؤثر سلبًا على قيمة العقار.
وفي بعض الحالات، يتجنب المستأجرون تحمل تكاليف الإصلاحات، معتبرين أنها مسؤولية المالك، بينما يعجز المالك عن الإنفاق بسبب ضعف العائد.
النزاعات القانونية والاجتماعية
أدى نظام الإيجار القديم إلى نشوء نزاعات قانونية مستمرة بين المستأجرين وأصحاب العقارات، حيث يسعى كل طرف للدفاع عن حقوقه.
هذه النزاعات تملأ المحاكم المصرية، مما يزيد من الضغط على الجهاز القضائي ويؤخر حسم القضايا.
كما أنها تثير توترات اجتماعية بين الطرفين، حيث يرى المستأجرون أن القانون يحميهم من الطرد، بينما يشعر الملاك بالظلم بسبب عدم قدرتهم على استرداد ممتلكاتهم.
عدم التوافق مع التطورات الاقتصادية
في ظل التحولات الاقتصادية وارتفاع أسعار العقارات والإيجارات في السوق الحرة، أصبح نظام الإيجار القديم غير متوافق مع الواقع الاقتصادي الحالي.
يرى الخبراء أن استمرار هذا النظام دون إصلاح يعيق الاستثمار في القطاع العقاري ويحد من تطوير السوق.
جهود الإصلاح وردود الفعل
على مدار السنوات الماضية، شهدت مصر نقاشات مكثفة حول إصلاح نظام الإيجار القديم.
اقترحت الحكومة عدة مبادرات، مثل زيادة تدريجية في قيمة الإيجار أو تحديد مدة زمنية لإنهاء العقود القديمة، لكن هذه الاقتراحات واجهت مقاومة من المستأجرين الذين يخشون فقدان منازلهم أو تحمل تكاليف إيجار مرتفعة. في المقابل، يطالب أصحاب العقارات بإلغاء النظام أو وضع آليات عادلة لاسترداد العقارات.
في عام 2023، أعلنت الحكومة المصرية عن دراسة مشروع قانون جديد لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، لكن حتى الآن لم يتم إقراره بشكل نهائي.
ويرى المحللون أن أي إصلاح يجب أن يوازن بين حماية المستأجرين ذوي الدخل المحدود وضمان حقوق الملاك، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
آراء الخبراء
يشير الخبير العقاري، محمد عبد الله، إلى أن “نظام الإيجار القديم أصبح عبئًا على السوق العقاري، حيث يمنع تطوير العقارات القديمة ويقلل من جاذبية الاستثمار في هذا القطاع”.
وفي الوقت نفسه، يؤكد المحامي الحقوقي، سلمى خالد، أن “إلغاء النظام دون توفير بدائل سكنية ميسورة التكلفة قد يؤدي إلى أزمة إسكان لملايين الأسر ذات الدخل المنخفض”.