في ظل استمرار إبادة غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي ، يستمر الجدل حول الاعتراف الدولي بدولة فلسطين كقضية مركزية في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وسط تساؤلات متزايدة حول ما إذا كان هذا الاعتراف يمثل دعمًا حقيقيًا للحقوق الفلسطينية أم مجرد خطوة رمزية قد تُستغل لتغطية انتهاكات مستمرة.
في ظل تصاعد الإدانات الدولية للانتهاكات الإسرائيلية، خاصة في قطاع غزة والضفة الغربية، يبرز السؤال: هل الاعتراف بدولة فلسطين هو الحل المنشود، أم أنه قد يُعزز من الوضع الراهن الذي يُتهم بتكريس الإبادة الجماعية؟
الاعتراف بدولة فلسطين: مسار تاريخي
بدأت مساعي الاعتراف بدولة فلسطين رسميًا في 15 نوفمبر 1988، عندما أعلن ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية من الجزائر، خلال الانتفاضة الأولى.
ومنذ ذلك الحين، اعترفت 147 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بفلسطين كدولة ذات سيادة، أي ما يمثل حوالي 75% من المجتمع الدولي حتى أبريل 2025.
تشمل هذه الدول معظم دول الجنوب العالمي، بما في ذلك دول عربية وإفريقية وآسيوية، إلى جانب دول مثل المكسيك وأرمينيا وسلوفينيا وإسبانيا، التي انضمت مؤخرًا إلى قائمة المعترفين بعد الحرب على غزة في 2023.
في عام 2012، حصلت فلسطين على صفة “دولة مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة بأغلبية 138 صوتًا مقابل 9، وهو إنجاز دبلوماسي كبير، رغم أنها لا تزال غير معترف بها كدولة كاملة العضوية بسبب الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن.
وفي يوليو 2025، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر 2025، في خطوة وُصفت بأنها “انتصار للعدالة” من قِبل البرلمان العربي، لكنها أثارت غضب إسرائيل، التي اعتبرتها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو “مكافأة للإرهاب”.
حجج المؤيدين للاعتراف
يؤكد المؤيدون للاعتراف بدولة فلسطين، مثل حركة فتح، أن هذه الخطوة تمثل “حقًا تاريخيًا” يعكس انحياز المجتمع الدولي للحق الفلسطيني ويرفع الظلم المستمر منذ النكبة عام 1948.
يرون أن الاعتراف يعزز مكانة فلسطين في المحافل الدولية، ويعطيها أدوات قانونية للمطالبة بحقوقها، بما في ذلك حق العودة للاجئين، والسيادة على حدود ما قبل 1967، والقدس الشرقية كعاصمة.
كما يُنظر إليه كضغط سياسي على إسرائيل لإنهاء احتلالها، خاصة مع تزايد الإدانات الدولية لانتهاكاتها، بما في ذلك هدم المنازل، الإخلاء القسري، والحصار على غزة.
ويشير مراقبون إلى أن الاعترافات الأوروبية الأخيرة، مثل تلك من النرويج وإسبانيا وأيرلندا في مايو 2024، جاءت كـ”آلة ضغط” على إسرائيل، خاصة في ظل الحرب المستمرة على غزة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 11 ألف شخص وتشريد 1.6 مليون حتى نوفمبر 2023.
كما يرى البعض أن الاعتراف يعزز حل الدولتين، الذي تدعمه دول مثل بريطانيا، رغم تأكيدها على ضرورة أن يكون جزءًا من خطة أوسع.
الاتهامات بالإبادة الجماعية: هل الاعتراف وهمي؟في المقابل، يرى منتقدو الاعتراف، مثل الكاتب جوزيف مسعد، أن الاعتراف بدولة فلسطينية “وهمية” قد يكون دعمًا غير مباشر لإسرائيل كدولة عنصرية، لأنه يتجاهل الواقع على الأرض، حيث لا تتمتع الدولة الفلسطينية بسيادة فعلية.
ويُشير هؤلاء إلى أن اتفاقات أوسلو (1993) لم تؤدِ إلى دولة فلسطينية، بل إلى سلطة فلسطينية تُساعد إسرائيل في قمع المقاومة، مما يجعل الاعتراف خطوة رمزية لا تغير من واقع الاحتلال والاستيطان.
تتصاعد هذه الانتقادات مع اتهامات دولية لإسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” ضد الفلسطينيين، خاصة في غزة. في نوفمبر 2023، حذّر خبراء الأمم المتحدة من “خطر الإبادة الجماعية” بسبب القصف العشوائي، الحصار، والتجويع المتعمد، مع مقتل طفل كل 10 دقائق في المتوسط.
وفي ديسمبر 2024، أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن إسرائيل تفرض ظروفًا معيشية تهدف إلى “تدمير جزء من سكان غزة” من خلال حرمانهم من المياه، مما يشكل جريمة ضد الإنسانية. هذه الاتهامات، التي تتضمن إشارات إلى “نكبة ثانية”، تعزز من وجهة النظر القائلة بأن الاعتراف بدولة فلسطين دون إنهاء الاحتلال قد يكون مجرد “دعم وهمي” يُغطي على استمرار الانتهاكات.
تحديات الاعتراف وتأثيره على الأرضعلى الرغم من الزخم الدولي المتزايد للاعتراف بفلسطين، يواجه هذا المسار عقبات كبيرة.
أولًا، إسرائيل ترفض الاعتراف بدولة فلسطينية، وتعتبره تهديدًا لوجودها كدولة يهودية، كما صرح نتنياهو بأن الدولة الفلسطينية قد تصبح “منصة لإبادة إسرائيل”.
ثانيًا، الولايات المتحدة، التي تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، ترى أن الاعتراف يجب أن يتم عبر مفاوضات مباشرة، وهو موقف يُتهم بشراء الوقت لصالح إسرائيل.
على الأرض، يعاني الفلسطينيون من استمرار الاستيطان، الذي يضم أكثر من 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية، ومصادرة أراضٍ تُقدّر بأكثر من مليوني دونم. كما أن الحصار على غزة، وهدم المنازل، والإخلاء القسري، والقيود على الإقامة، تعيق إمكانية قيام دولة فلسطينية فعلية.
ويؤكد بعض المحللين أن الاعتراف دون ضمانات للسيادة الكاملة على الحدود، البحر، والجو، لن يحقق استقرارًا حقيقيًا.
آراء الشارع وردود الفعل
على منصة إكس، تتفاعل الأصوات العربية مع هذا الجدل بحماس. فقد رحبت حركة حماس ببيانات دول مثل بريطانيا التي تدعو إلى وقف الحرب ورفض التهجير، معتبرةً إياها “اعترافًا دوليًا بحجم الانتهاكات الإسرائيلية”.
في المقابل، وصف أحد المستخدمين الاعتراف بدولة فلسطين بأنه “وهم سياسي” لا يوقف “الفاشية الإسرائيلية” التي تهدف إلى ضم الضفة الغربية. ويبرز الإجماع على ضرورة دعم الفلسطينيين ماديًا ومعنويًا، مع دعوات لكسر الحصار وإرسال مساعدات إنسانية فورية.