في مشهد مأساوي لا تحتمله القلوب، شهدت إحدى قرى محافظة المنيا واقعة أليمة هزّت وجدان المجتمع المصري، بعد أن أقدم أب على إنهاء حياة أطفاله الثلاثة داخل منزلهم، وسط ظروف غامضة وتفاصيل مأساوية كشفت عن حجم المعاناة النفسية والإنسانية التي كانت تحيط بالأسرة ، وقعت الحادثة في قرية “زهرة”، التابعة لمركز المنيا، عندما لاحظ الجيران غياب الأطفال الثلاثة عن الأنظار لأكثر من 24 ساعة، الأمر الذي أثار قلقهم ودفعهم إلى الاستفسار من والدهم، الذي ظهر عليهم علامات اضطراب شديدة، ما دفعهم إلى إبلاغ الأجهزة الأمنية فورًا، لتتحول القضية إلى واحدة من أكثر الجرائم الأسرية بشاعة في السنوات الأخيرة.
مأساة داخل بيت المنيا كان يجب أن يكون ملاذًا
وفقًا للمعلومات الأولية، فإن الأب البالغ من العمر 37 عامًا، كان يمر بحالة نفسية غير مستقرة منذ فترة، وازدادت حالته سوءًا بعد مغادرة زوجته للمنزل قبل نحو أسبوعين بسبب خلافات أسرية متكررة. تركت الأم أطفالها الثلاثة في رعاية والدهم، ربما على أمل أن تتحسن الأحوال أو تهدأ الأمور، لكنها لم تكن تعلم أن القدر يخبئ فاجعة قاسية لا يمكن تصورها.
أعمار الأطفال تتراوح ما بين 8 و10 سنوات، وكانوا معروفين بين سكان القرية ببراءتهم وخفة ظلهم، وكانوا يذهبون إلى المدرسة بانتظام، ولم يسبق أن ظهرت عليهم أي علامات إهمال أو خطر. لكن يبدو أن الاضطراب النفسي الذي كان يعاني منه الأب تطور بشكل مأساوي، إلى أن وصل إلى لحظة انفجار لم تكن في الحسبان.
تحرك أمني سريع.. والقبض على الأب
عقب تلقي بلاغ من الأهالي، تحركت الأجهزة الأمنية إلى موقع الحادث، وتم العثور على الأطفال الثلاثة داخل المنزل، وقد فارقوا الحياة في ظروف صادمة. وتم على الفور التحفظ على الأب، الذي بدا في حالة نفسية سيئة وغير متزنة، ولم يكن قادرًا على تقديم رواية متماسكة لما حدث.
وأفادت مصادر أمنية أن الأب اعترف في التحقيقات الأولية بأنه “لم يكن في وعيه” وقت ارتكاب الجريمة، وأنه كان يشعر بضيق شديد وضغط نفسي متراكم منذ فترة طويلة، بسبب مشاكل الحياة والضغوط الأسرية، إضافة إلى غياب زوجته، التي كانت تمثل له عنصر التوازن والدعم.
وقد أمرت النيابة العامة بعرض المتهم على لجنة مختصة من الطب النفسي لبيان مدى سلامة قواه العقلية وقت ارتكاب الواقعة، مع فحص الخلفية الطبية له، والاستماع لأقوال الزوجة، التي تم استدعاؤها رسميًا، إلى جانب الاستماع لشهادات الجيران وأقارب الأسرة.
عندما تتحوّل المعاناة النفسية إلى مأساة
الحادثة تفتح الباب على مصراعيه أمام قضية حساسة طالما تم تجاهلها في المجتمع، وهي أهمية الرعاية النفسية والصحة العقلية داخل الأسر، خاصة في المجتمعات الريفية التي لا تزال تعتبر زيارة الطبيب النفسي “وصمة” أو نوعًا من الضعف.
المؤشرات الأولى تؤكد أن الأب لم يتلقَ أي نوع من الدعم أو العلاج رغم معاناته الواضحة، بل ظل يعيش في حالة من التوتر والانعزال، ومع تصاعد الخلافات الزوجية وانفصاله المؤقت عن زوجته، دخل في حالة نفسية أكثر ظلمة، كانت نتيجتها هذه الجريمة التي أنهت حياة 3 أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم عاشوا وسط هذه الفوضى العاطفية والذهنية.
شهادات الجيران: كنا نلاحظ تغيره
أحد جيران الأسرة قال: “الأب كان إنسان هادي في الأول، لكن من فترة بدأ يبقى منطوي، وبقينا نلاحظ إنه بيتكلم مع نفسه، وكان بيرفض أي حوار حتى مع المقربين… بس محدش تخيل إن الأمور توصل لكده.”
شهادة أخرى من أحد أقارب الأم قالت:
“هي سابت البيت بسبب المشاكل اللي بقت يومية، لكنه مكنش عنيف مع الأطفال… هي كانت بتحبهم جدًا، ولما عرفت الخبر منهارتش بس، انهارت تمامًا… محدش فينا مصدق اللي حصل.”
جنازة حزينة وقرية في حالة ذهول
في اليوم التالي، تم تشييع جثامين الأطفال الثلاثة في جنازة جنائزية صامتة، خيم عليها الحزن والصمت الثقيل. شارك فيها المئات من سكان القرية، رجالًا ونساءً وأطفالًا، والدموع لا تفارق العيون. لم يكن أحد يتحدث كثيرًا، فالحدث أكبر من أن تصفه الكلمات أو تعبر عنه العبارات.
بعض الأهالي رفعوا أصواتهم بمطالبات بضرورة محاسبة المسؤولين عن التقصير في متابعة مثل هذه الحالات النفسية، ومنهم من دعا إلى تنظيم حملات توعية بالصحة النفسية داخل القرى والمجتمعات الصغيرة، لتجنب تكرار مثل هذه الفواجع.
التحقيقات مستمرة.. والسؤال المؤلم: هل كان يمكن إنقاذ الأطفال؟
النيابة العامة تواصل تحقيقاتها حاليًا لكشف كافة أبعاد القضية، ومعرفة ما إذا كانت هناك شبهة إهمال طبي أو اجتماعي ساهمت في وصول الأب إلى هذه الحالة النفسية، وهل هناك ما يدل على وجود تحذيرات سابقة تم تجاهلها.
الجهات المختصة تقوم أيضًا بتفريغ كاميرات المراقبة المحيطة بالمنزل، ومراجعة مكالمات الأب خلال الأيام الأخيرة، في محاولة لرسم صورة أوضح لحالته الذهنية والنفسية.
ورغم صعوبة المشهد، إلا أن كثيرًا من المتخصصين يرون أن هذه الجريمة يجب أن تكون ناقوس خطر حقيقي لتعديل طريقة تعاملنا مع الأمراض النفسية، وضرورة دمج التوعية بالصحة النفسية ضمن الرعاية الاجتماعية، سواء من الدولة أو المجتمع المدني