التصعيد في فرض الرسوم الجمركية من قبل إدارة ترامب أدى إلى مراجعة وتخفيض توقعات نمو الصناعة العالمية لعام 2025 بمقدار 0.5 نقطة مئوية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو ما يعكس التأثير الواسع للرسوم الجمركية وعدم اليقين المستمر في السياسات الاقتصادية.
أجندة التجارة التي ينفذها ترامب تجاوزت الوعود الانتخابية ووصلت إلى مستويات غير متوقعة، حيث فُرضت تعريفات على حلفاء وخصوم على حد سواء، مما زاد من حالة عدم اليقين وأثر على قرارات الاستثمار الصناعي في الولايات المتحدة والعالم.
الآثار السلبية لهذه السياسة لا تقتصر فقط على التعريفات، بل تشمل التوقعات بشأن ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة، مما يحد من قدرة الشركات على الاستثمار ويؤثر على القدرة التنافسية الصناعية.
يعد الثاني من أبريل “يوم التحرير” محطة رئيسية في هذه الأزمة، حيث من المتوقع أن تنتهي الإعفاءات الجمركية على كندا والمكسيك، وقد يعلن ترامب عن تعريفات إضافية أو يقدم استثناءات ضريبية كبيرة، ما يجعل هذا التاريخ نقطة تحول حاسمة في مسار التصعيد التجاري.
تم تعديل الافتراضات المتعلقة بالتعريفات الجمركية منذ الانتخابات الأمريكية، حيث بدأت بسياسات انتقائية استهدفت قطاعات مثل المعادن والسيارات والصناعات الصينية ومنتجات الألبان الكندية، قبل أن تتطور إلى فرض تعريفات شاملة بنسبة 10% على الصين والاتحاد الأوروبي، ووصلت الآن إلى 25% على كندا والمكسيك، مع استثناء النفط الكندي والسيارات من هذه الرسوم.
الولايات المتحدة، بفضل سوقها المحلي الكبير، أقل تأثرًا بالتعريفات مقارنة بجيرانها، لكنها تواجه تحديًا حقيقيًا بسبب تزايد عدم اليقين الذي يؤثر على قرارات الاستثمار الصناعي، خاصة مع استمرار تشديد السياسة النقدية بشكل غير متوقع.
قطاعا الطاقة والسيارات في الولايات المتحدة قد يكونان الأقل تأثرًا بهذه السياسات، حيث من المرجح أن تحتفظ إدارة ترامب بتعريفات منخفضة على قطاع الطاقة وتعفي السيارات بالكامل، تماشيًا مع إعلانات سابقة.
نتيجة لهذه التطورات، تم خفض توقعات نمو القطاع الصناعي الأمريكي لعام 2025 بشكل حاد، حيث انخفضت التوقعات من 2.1% إلى 1.1% فقط، ما يعكس ضعف الاستثمار الصناعي وتأثيرات عدم اليقين في الأسواق.
الدول الأخرى قد ترد بإجراءات مماثلة على التعريفات الأمريكية، مما قد يؤدي إلى تصعيد الحرب التجارية. عندما تفرض الولايات المتحدة تعريفات على السلع الأجنبية، قد تقرر تلك الدول فرض تعريفات على الصادرات الأمريكية، مما يضر بالمصدرين الأمريكيين. هذا قد يؤثر على الصناعات الزراعية والصناعية في الولايات المتحدة، حيث تفقد المنتجات الأمريكية تنافسيتها في الأسواق العالمية.
كندا والمكسيك في وضع أكثر خطورة، حيث تعتمد اقتصادهما بشكل كبير على الصادرات إلى الولايات المتحدة، مما يجعل التعريفات الجمركية المفروضة سببًا مباشرًا لدخولهما في ركود صناعي خلال 2025.
الصناعات الأكثر تضررًا في كندا والمكسيك تشمل الهندسة الميكانيكية، المعدات الكهربائية، والأثاث، حيث يتوقع أن ينخفض الإنتاج الصناعي في كندا بنسبة 1.9%، وفي المكسيك بنسبة 0.8% خلال 2025، لكن من المتوقع أن يبدأ التعافي في النصف الثاني من 2026 بشرط إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الأمريكية المكسيكية الكندية (USMCA).
في أوروبا، من المتوقع أن تواجه الصناعات تحديات إضافية مع فرض تعريفات أمريكية شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يزيد الضغوط على اقتصاد القارة الذي يعاني بالفعل من ركود صناعي مستمر منذ عامين.
أكثر القطاعات الأوروبية تأثرًا بهذه الرسوم تشمل الصناعات الدوائية، التكنولوجيا المتقدمة، والآلات الصناعية، نظرًا لاعتمادها الكبير على الصادرات إلى الولايات المتحدة، وهو ما يضعف توقعات النمو الصناعي الأوروبي للعامين القادمين.
رغم الآمال في انتعاش الصناعة الأوروبية خلال 2025 بسبب زيادة الطلب المحلي وتراجع أسعار الطاقة، فإن التحديات الجمركية والتنافسية تؤخر هذا التعافي، حيث تم تخفيض توقعات النمو الصناعي إلى 0.6% فقط في 2025، مع احتمال ارتفاعه إلى 2.1% في 2026.
الزيادة في الإنفاق الدفاعي الأوروبي قد توفر بعض الدعم لقطاعات محددة، مثل صناعة الطيران والمنتجات المعدنية، لكن تأثيرها سيظل محدودًا، ومن المرجح أن يظهر بوضوح أكبر في 2027 و2028، مما يعني أن التعافي الفوري للصناعة الأوروبية سيكون بطيئًا وغير متكافئ.
الصين، باعتبارها هدفًا رئيسيًا للسياسات التجارية الأمريكية، ستواجه تباطؤًا في النمو الصناعي، على الرغم من الأداء القوي في نهاية 2024، حيث يُتوقع أن يفقد الزخم تدريجيًا خلال 2025 نتيجة تزايد الضغوط الخارجية.
تم رفع الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات الصينية بمقدار 20 نقطة مئوية منذ تولي ترامب منصبه، لكن التأثير الجديد والأكثر ضررًا يتمثل في إلغاء الإعفاءات على المنتجات ذات القيمة المنخفضة، مما سيؤدي إلى تراجع الطلب على المنتجات الصينية في الأسواق الإلكترونية مثل “Temu” و”Shein”.
رغم تحقيق الصادرات الصينية مستويات قياسية في 2024، فإن التباطؤ العالمي يحد من إمكانية استيعاب الأسواق الأخرى للصادرات التي لم تعد تدخل السوق الأمريكية، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي للصين في المستقبل القريب.
حتى الدول الحليفة للصين بدأت في فرض قيود على وارداتها، كما فعلت روسيا مؤخرًا بفرض قيود على استيراد السيارات الصينية، ما يعكس تزايد التوترات التجارية حتى بين الشركاء الاستراتيجيين للصين.
التحولات السريعة في المشهد الصناعي العالمي تجعل من الضروري للشركات والمستثمرين مراقبة هذه التطورات بعناية، حيث ستؤثر السياسات الجمركية على الأسواق وسلاسل التوريد بطرق قد تكون غير متوقعة.
زيادة الرسوم الجمركية على الواردات ستؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع، مما سيؤثر بشكل مباشر على المستهلكين والشركات في الولاياتالمتحدة. عندما تزداد تكلفة المنتجات المستوردة، يضطر التجار إلى رفع الأسعار لتعويض الفرق، وهذا قد يؤدي إلى تضخم أوسع نطاقًا. على الرغم من أن بعض الشركات قد تحاول امتصاص جزء من هذه التكاليف لتجنب فقدان العملاء، إلا أن معظمها لن يكون قادرًا على تجنب رفع الأسعار في نهاية المطاف، مما يضعف القوة الشرائية للأفراد ويؤثر على مستوى المعيشة.
حالة عدم اليقين الاقتصادي الناتجة عن التعريفات الجمركية المتغيرة تعيق قرارات الاستثمار والتوسع بالنسبة للشركات. عندما لا يكون هناك وضوح حول مستقبل الرسوم التجارية، تتردد الشركات في تخصيص رأس المال لمشاريع جديدة، خوفًا من أن تتغير الظروف فجأة وتجعل استثماراتها غير مربحة. هذا يؤدي إلى تراجع في التوظيف والابتكار، حيث تفضل الشركات الانتظار بدلاً من المخاطرة في بيئة غير مستقرة.
يعتبر العديد من الاقتصاديين أن فرض التعريفات الجمركية بمثابة فرض ضرائب جديدة على المستهلكين والشركات، حيث يتم تحميل هذه التكاليف الإضافية على المستهلك النهائي. التعريفات تؤثر على سلاسل التوريد وتزيد من تكاليف الإنتاج، مما يدفع الشركات إلى رفع الأسعار أو تقليل الإنتاج، وكلاهما له تأثير سلبي على الاقتصاد بشكل عام. النتيجة النهائية قد تكون تباطؤًا اقتصاديًا وتراجعًا في مستوى الرفاهية العامة.
استراتيجية ترامب في فرض التعريفات الجمركية تفتقر إلى الاتساق، حيث تتغير تصريحاته وسياساته بشكل متكرر. في بعض الأحيان، يعلن عن تعريفات جديدة ثم يتراجع عنها بعد أيام قليلة، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار في الأسواق المالية. هذا النهج يجعل من الصعب على الشركات والمستثمرين اتخاذ قرارات طويلة الأجل، ويؤدي إلى تقلبات حادة في الأسواق، حيث يحاول المستثمرون التكيف مع التغيرات المفاجئة.
على الرغم من المخاوف بشأن الركود الاقتصادي، إلا أن بعض المحللين الماليين يرون أن احتمالية حدوثه ليست حتمية بعد. مؤسسات مالية مثل دويتشه بنك وجي بي مورغان قدرت احتمال الركود بحوالي 43٪، مما يعني أن هناك فرصة متساوية تقريبا لعدم حدوثه. يعتمد ذلك بشكل كبير على كيفية تطور سياسات التجارة والنمو الاقتصادي خلال السنوات المقبلة.
مؤشرات الثقة لدى المستهلكين الأمريكيين تعكس حالة من التشاؤم المتزايد بشأن المستقبل الاقتصادي. وفقًا لمسح حديث، فإن توقعات المستهلكين للأوضاع الاقتصادية في المستقبل وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ 12 عامًا. هذا التشاؤم قد يؤدي إلى تقليص الإنفاق الاستهلاكي، مما قد يساهم في إبطاء النمو الاقتصادي، خاصة إذا استمر لعدة أرباع متتالية.
فرض تعريفات جديدة على مكونات الإنتاج، مثل قطع غيار السيارات، قد يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في سلاسل التوريد. العديد من الصناعات تعتمد على استيراد مكونات معينة بأسعار منخفضة من الخارج، وعند فرض تعريفات على هذه المكونات، قد يصبح الإنتاج أكثر تكلفة أو حتى غير مربح. في بعض الحالات، قد تضطر الشركات إلى البحث عن مصادر جديدة، مما قد يستغرق وقتًا طويلاً ويؤثر على الإنتاجية.
الأسواق المالية شهدت تقلبات كبيرة نتيجة التغيرات في سياسة التعريفات الجمركية. في كل مرة يعلن فيها ترامب عن تعريفات جديدة أو يتراجع عنها، تتفاعل الأسواق بسرعة، مما يؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض حاد في أسعار الأسهم. هذه التقلبات تخلق حالة من عدم الاستقرار للمستثمرين، وتجعل التخطيط المالي أكثر صعوبة، خاصة بالنسبة للشركات التي تعتمد على التجارة الدولية.
قطاع الخدمات قد يكون عنصرًا رئيسيا في استقرار الاقتصاد الأمريكي، حيث يشكل جزءًا كبيرًا من النشاط الاقتصادي. حتى مع تأثير التعريفات على التجارة والصناعة، فإن العديد من قطاعات الخدمات، مثل التكنولوجيا والتمويل والرعاية الصحية، قد تظل قوية. ومع ذلك، إذا أدى التضخم الناتج عن التعريفات إلى تقليل إنفاق المستهلكين، فقد تتأثر بعض الخدمات التي تعتمد على الطلب المحلي.
قد يواجه الاحتياطي الفيدرالي معضلة في السياسة النقدية بسبب التعريفات الجمركية. إذا أدت التعريفات إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم، فقد يكون من الصعب على البنك المركزي خفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد. في المقابل، إذا تباطأ الاقتصاد بشكل حاد، فقد يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى التدخل لدعم النمو، مما قد يزيد من المخاطر التضخمية.
فرض تعريفات على مواد مثل الصلب والألمنيوم قد يؤدي إلى فقدان وظائف في الصناعات التي تعتمد على هذه المواد. على الرغم من أن التعريفات تهدف إلى حماية الصناعات المحلية، إلا أنها قد تجعل الإنتاج أكثر تكلفة بالنسبة للشركات التي تعتمد على المواد المستوردة. في النهاية، قد تتسبب هذه الإجراءات في تقليل الوظائف بدلاً من زيادتها.
الاقتصاد الأمريكي ليس عرضة للركود بسهولة، حيث يتطلب حدوثه صدمة اقتصادية كبيرة. في الماضي، كانت حالات الركود ناتجة عن أزمات مالية أو صدمات نفطية أو انهيارات في الأسواق المالية. في الوضع الحالي، يعتمد حدوث الركود على مدى تأثير التعريفات على النمو الاقتصادي والطلب المحلي.
قطاع السيارات من بين القطاعات الأكثر تضررًا من التعريفات الجديدة. زيادة التعريفات على السيارات المستوردة تعني أن الأسعار سترتفع، مما قد يؤدي إلى انخفاض المبيعات. الشركات المصنعة قد تواجه انخفاضًا في الطلب، مما قد يؤدي إلى تقليص الإنتاج وتسريح العمال.
المستهلكون قد يبدأون في تأجيل المشتريات الكبرى بسبب ارتفاع الأسعار الناتج عن التعريفات. عندما تصبح السيارات، الأجهزة المنزلية، والمنازل أكثر تكلفة، قد يفضل الناس الانتظار بدلاً من الإنفاق. هذا قد يضعف النشاط الاقتصادي بشكل عام، خاصة إذا استمر لفترة طويلة.
التعريفات لن تقلل بالضرورة العجز التجاري الأمريكي، حيث أن العجز ناتج عن عوامل هيكلية مثل الفجوة بين الادخار والاستثمار، وليس فقط بسبب التجارة غير العادلة. حتى مع فرض تعريفات، قد تستمر الولايات المتحدة في استيراد أكثر مما تصدر، لأن المستهلكين الأمريكيين يعتمدون بشكل كبير على المنتجات الأجنبية.
حتى لو حدث ركود، فقد لا يكون التأثير فوريًا، حيث أن آثار التعريفات الجمركية تستغرق وقتًا للظهور في الاقتصاد. بعض الاقتصاديين يعتقدون أن التأثير الحقيقي للتعريفات لن يكون واضحًا حتى 2026، عندما تتكيف الشركات والاقتصاد مع التغييرات.
الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة مثل كندا، المكسيك، وأوروبا قد يتضررون بشدة من التعريفات الجديدة. العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول تعتمد على التجارة الحرة، وفرض تعريفات قد يؤدي إلى تدهور العلاقات السياسية والاقتصادية، مما يزيد من التوترات الدبلوماسية.
مع استمرار التعريفات الجمركية، من المتوقع أن يزداد التضخم بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج والاستهلاك. الشركات ستضطر إلى تمرير هذه التكاليف إلى المستهلكين، مما يؤدي إلى ارتفاع عام في الأسعار. هذا قد يضغط على البنك المركزي لاتباع سياسات نقدية أكثر صرامة، مما قد يحد من النمو الاقتصادي.
الإدارة الأمريكية قد تضطر إلى تعديل سياساتها إذا واجهت ردود فعل سلبية قوية. إذا استمرت الأسواق في التراجع، أو إذا واجهت الشركات الأمريكية صعوبات كبيرة، فقد يتم إلغاء بعض التعريفات أو تعديلها لتخفيف التأثيرات السلبية على الاقتصاد.