تبرز لعبة روبلوكس (Roblox) كظاهرة ثقافية وترفيهية تجتذب ملايين اللاعبين حول العالم، خاصة الأطفال والمراهقين. ليست مجرد لعبة تقليدية، بل منصة إبداعية تتيح للمستخدمين تصميم عوالمهم الافتراضية ومشاركتها مع مجتمع عالمي.
منذ إطلاقها في عام 2004، تحولت روبلوكس إلى واحدة من أكثر منصات الألعاب شعبية، حيث تضم أكثر من 85 مليون لاعب نشط يوميًا بحلول فبراير 2025، وفقًا لتقارير الشركة.
فما الذي يجعل روبلوكس فريدة؟ وكيف أثرت على اللاعبين والمجتمعات؟
ما هي روبلوكس؟
روبلوكس هي منصة ألعاب عبر الإنترنت تمكن المستخدمين من إنشاء ألعابهم الخاصة، أو ما يُطلق عليه “التجارب”، باستخدام أداة روبلوكس ستوديو (Roblox Studio)، وهي أداة برمجية بسيطة تعتمد على لغة البرمجة Lua.
تأسست المنصة على يد ديفيد بازوكي وإريك كاسل في عام 2004 تحت اسم “Dynablocks” قبل أن يُعاد تسميتها إلى “روبلوكس” في 2005.
تتيح المنصة للاعبين تصميم عوالم ثلاثية الأبعاد تشبه أسلوب ليغو، والتفاعل مع لاعبين آخرين من خلال ملايين التجارب التي أنشأها المجتمع.
تشمل هذه التجارب ألعابًا متنوعة مثل المغامرات، المحاكاة، ألعاب تقمص الأدوار، وحتى الألعاب الاجتماعية مثل Adopt Me وJailbreak.
خصائص روبلوكس الفريدة الإبداع والتصميم: تمنح روبلوكس المستخدمين حرية غير محدودة لتصميم الألعاب، الشخصيات، والعناصر باستخدام روبلوكس ستوديو.
يمكن للمطورين مشاركة إبداعاتهم مع المجتمع أو حتى تحقيق أرباح من خلال بيع العناصر داخل اللعبة.
العملة الافتراضية (Robux): تستخدم روبلوكس عملة افتراضية تُعرف باسم روبوكس (Robux)، والتي تتيح للاعبين شراء ملابس، إكسسوارات، أو تحسينات داخل الألعاب.
يمكن للمطورين تحويل الروبوكس إلى أموال حقيقية عبر برنامج DevEx، مما مكّن العديد من المبدعين من تحقيق أرباح تصل إلى ملايين الدولارات.
التفاعل الاجتماعي:
توفر روبلوكس نظامًا للدردشة وإرسال طلبات الصداقة، مما يجعلها منصة اجتماعية تربط اللاعبين من مختلف أنحاء العالم. يمكن للاعبين الانضمام إلى جلسات لعب جماعية أو استكشاف عوالم جديدة مع أصدقائهم.
التوافق عبر المنصات: تدعم روبلوكس أنظمة تشغيل متعددة، بما في ذلك الحواسيب (ويندوز وماك)، الهواتف الذكية (أندرويد وiOS)، أجهزة Xbox One، وحتى نظارات الواقع الافتراضي (VR)، مما يجعلها متاحة لجمهور واسع.
التطور التاريخي لروبلوكس
منذ إطلاقها، شهدت روبلوكس تطورات تقنية وثقافية كبيرة. في عام 2007، أضافت المنصة ميزات مثل تخصيص الشخصيات ونظام الدردشة الآمنة للأطفال دون 13 عامًا، بالتعاون مع قانون حماية خصوصية الأطفال عبر الإنترنت (COPPA). في 2014، أُطلق إصدار أندرويد، وفي 2016 أُتيحت المنصة على Xbox One.
بحلول 2017، كانت تضم أكثر من 500,000 مبدع و30 مليون لاعب نشط شهريًا، مع أكثر من 300 مليون ساعة لعب. في 2020، شهدت المنصة طفرة هائلة خلال جائحة كورونا، حيث وجد الأطفال فيها ملاذًا ترفيهيًا، مما رفع عدد اللاعبين النشطين يوميًا إلى أكثر من 60 مليون بحلول 2023.
الجوانب الإيجابية
تعزيز الإبداع: تشجع روبلوكس الأطفال والشباب على تعلم البرمجة وتصميم الألعاب، مما يعزز مهاراتهم الإبداعية والتقنية.
مجتمع عالمي: توفر المنصة بيئة تفاعلية تربط اللاعبين من مختلف الثقافات.
فرص اقتصادية: يمكن للمطورين تحقيق دخل مستدام من خلال إنشاء وبيع محتوى داخل المنصة.
تطمح روبلوكس لتكون رائدة في مفهوم الميتافيرس، حيث تسعى لخلق عوالم افتراضية متكاملة تجمع بين الترفيه، التعليم، والتفاعل الاجتماعي. مع استمرار نموها، تواجه المنصة تحديات في موازنة الحرية الإبداعية مع ضمان بيئة آمنة. يرى ديفيد بازوكي، المؤسس، أن روبلوكس قادرة على جذب مليار لاعب يوميًا، مما يعكس طموح الشركة لتوسيع نطاق تأثيرها.
التحديات والمخاطر
على الرغم من شعبيتها، تواجه روبلوكس انتقادات وتحديات، خاصة فيما يتعلق بسلامة الأطفال:
المحتوى غير المناسب: بما أن المحتوى يُنشأ بواسطة المستخدمين، قد يواجه الأطفال ألعابًا تحتوي على عنف أو مواضيع غير لائقة.
التفاعل مع الغرباء: إمكانية التواصل مع أشخاص مجهولين تعرض الأطفال لمخاطر التحرش أو الاستغلال، كما أشارت تقارير عن حالات استدراج عبر المنصة.
الإدمان والمشتريات داخل اللعبة: قد يؤدي التصميم الجذاب للمنصة إلى إدمان الأطفال، بينما تشجع المشتريات داخل اللعبة على إنفاق مبالغ مالية كبيرة.
القضايا القانونية: في أغسطس 2025، رفعت ولاية لويزيانا الأمريكية دعوى قضائية ضد روبلوكس، متهمة إياها بتسهيل استغلال الأطفال، وهي اتهامات نفتها الشركة. كما حظرت دول مثل تركيا والأردن المنصة بسبب مخاوف تتعلق بالمحتوى غير المناسب.
إجراءات السلامة
لتعزيز الأمان، تطبق روبلوكس إجراءات صارمة مثل: نظام تصفية الدردشة للأطفال دون 13 عامًا.
أدوات الرقابة الأبوية التي تتيح للآباء تقييد التفاعل أو المشتريات.
فرق مراقبة تعمل على مدار الساعة للحد من المحتوى غير المناسب.
ومع ذلك، يُنصح الآباء بمراقبة أنشطة أطفالهم، تحديد أوقات اللعب، وتثقيفهم حول الإبلاغ عن أي سلوك مشبوه.
أسباب حظر لعبة روبلوكس في عدد من الدول
تعرضت منصة روبلوكس (Roblox) للحظر في عدة دول حول العالم، خاصة في دول عربية وخليجية، بسبب مخاوف متعلقة بالسلامة الرقمية للأطفال والمحتوى غير المناسب.
فيما يلي الأسباب الرئيسية التي أدت إلى حظر المنصة في دول مثل قطر، عُمان، تركيا، الصين، الأردن، والكويت، استنادًا إلى تقارير إعلامية وتحليلات حديثة:المحتوى غير اللائق
تتيح روبلوكس للمستخدمين إنشاء ألعابهم الخاصة، مما يجعل الرقابة على المحتوى صعبة.
أظهرت تقارير، مثل تحقيق صحيفة الجارديان مع شركة Revealing Reality في مايو 2025، أن بعض الألعاب تحتوي على مشاهد عنيفة أو إيحاءات جنسية غير مناسبة للأطفال.
على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن ألعاب تحمل عناوين مضللة مثل “My Dear” أو “Six Pistols” للتحايل على مرشحات المحتوى، مما أثار مخاوف السلطات في دول مثل تركيا وعُمان.
مخاطر التواصل مع الغرباء
تتيح خاصية الدردشة في روبلوكس التواصل بين اللاعبين، بما في ذلك الأطفال والبالغين المجهولين. وثّقت تقارير حالات استخدام لغة مشفرة للتحايل على فلاتر الدردشة، حيث طلب بالغون تفاصيل شخصية من أطفال صغار، مما يعرضهم لخطر التحرش أو الاستغلال.
على سبيل المثال، أثارت حادثة وفاة طفل في قطر خلال بث مباشر بعد تلقيه تعليمات خطيرة من لاعبين آخرين غضبًا مجتمعيًا، مما دفع السلطات للحظر في 13 أغسطس 2025.
الإدمان والمشتريات داخل اللعبة
تعتمد روبلوكس على عملة افتراضية تُسمى روبوكس (Robux)، والتي تشجع على الإنفاق المفرط، خاصة بين الأطفال. آليات مثل “صناديق الغنائم” قد تحاكي سلوكيات تشبه المقامرة، مما أثار قلق الآباء والسلطات في دول مثل الكويت وقطر.
كما أن قضاء ساعات طويلة على المنصة قد يؤدي إلى إدمان الألعاب، مما يؤثر على الصحة النفسية والاجتماعية للأطفال.
القيم الثقافية والأخلاقية
في دول مثل الكويت والأردن، أشارت شكاوى من أولياء الأمور إلى أن بعض المحتويات تتعارض مع القيم الأخلاقية والتقاليد المجتمعية، مثل الترويج لسلوكيات عدوانية أو مشاهد تخدش الحياء.
هذه المخاوف دفعت دولًا مثل عُمان (حظر في 2021) والكويت (حظر مؤقت في أغسطس 2025) إلى اتخاذ إجراءات صارمة.
الرقابة الحكومية والسياسات المحلية
في الصين، تم إغلاق النسخة المحلية من روبلوكس (Luobu) في 2021 بسبب سياسات الرقابة الصارمة على المحتوى الرقمي، إضافة إلى اتهامات غير رسمية بالترويج لـ”دعاية مناهضة للشيوعية”.
كما أن دول مثل كوريا الشمالية حظرت المنصة ضمن سياساتها العامة للحد من المحتوى الغربي.
الحوادث والدعاوى القضائية
ساهمت حوادث محددة ودعاوى قضائية في زيادة الضغط على روبلوكس.
على سبيل المثال، رفعت ولاية لويزيانا الأمريكية دعوى قضائية في أغسطس 2025، متهمة المنصة بتسهيل استغلال الأطفال، مستشهدة بحادثة اختطاف فتاة تبلغ 13 عامًا بعد تواصلها مع متحرش عبر المنصة.
هذه الحوادث عززت قرارات الحظر في دول مثل قطر وتركيا، التي رأت أن أدوات الرقابة الأبوية الحالية “محدودة الفعالية”.
الدول التي حظرت روبلوكس قطر: حظر في 13 أغسطس 2025، استجابة لمطالب شعبية وحادثة وفاة طفل.
عُمان: حظر منذ 2021 بسبب المحتوى غير المناسب ومخاطر الاحتيال.
تركيا: حظر في أغسطس 2024 لحماية الأطفال من الاستغلال.
الصين: حظر منذ 2021 بسبب سياسات الرقابة ودعم المنصات المحلية.
الأردن: حظر منذ 2021 بسبب مخاوف المحتوى غير الملائم.
الكويت: حظر مؤقت في أغسطس 2025 بعد شكاوى من أولياء الأمور.
الإمارات: حظر مؤقت بين 2018 و2023، ثم رفع الحظر بعد تحسينات في الرقابة.
كوريا الشمالية: حظر كامل ضمن سياسات الرقابة العامة.
رد شركة روبلوكس
أكدت شركة روبلوكس أنها تعمل على تحسين إجراءات السلامة، مثل إدخال التحقق من العمر للتجارب المخصصة للاعبين فوق 17 عامًا، وتعزيز أدوات الرقابة الأبوية. ومع ذلك، أقرت الشركة بوجود تحديات في مراقبة المحتوى الذي ينشئه المستخدمون، مشيرة إلى أن “لا نظام مثالي” وأنها تعمل “بشكل متواصل” لضمان بيئة آمنة.