جاءت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى مدينة العلمين الجديدة في مصر، لتؤكد على عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وتعزز من مسيرة التعاون الاقتصادي والاستثماري الذي يشهد طفرة غير مسبوقة. استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي نظيره الإماراتي في لقاء حمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة، يعكس التزامهما المشترك بتعزيز التنمية المستدامة والاستقرار الإقليمي.
تعزيز التعاون الاقتصادي: آفاق جديدة
تركزت الزيارة على توسيع مجالات التعاون الاقتصادي، مع التركيز على الاستثمارات المشتركة في قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة، البنية التحتية، اللوجستيات، والتكنولوجيا الحديثة. شهدت المباحثات مناقشات حول ضخ استثمارات إماراتية جديدة في مشروعات تنموية، أبرزها تعزيز التعاون في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وتطوير الموانئ الذكية، إلى جانب مشروعات النقل التي تدعم الربط اللوجستي بين البلدين.
وأكد الجانبان حرصهما على دفع التبادل التجاري، الذي قفز إلى 5.5 مليار دولار في 2024، بنمو ملحوظ في الصادرات المصرية إلى الإمارات بنسبة 44.4%، لتصل إلى 3.26 مليار دولار، والواردات المصرية بقيمة 2.7 مليار دولار.
مشروع رأس الحكمة: رمز الشراكة الاستراتيجية
يبرز مشروع تطوير مدينة رأس الحكمة كأحد أهم ثمار التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث يُعد أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر بقيمة 35 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إجمالي الاستثمارات إلى 110 مليارات دولار بحلول 2045.
شهدت زيارة الشيخ محمد بن زايد إعلان مخطط المشروع، الذي تتولاه شركة “مدن القابضة” الإماراتية بالتعاون مع الشركة القابضة (ADQ)، لإنشاء مدينة ذكية متكاملة تشمل مرافق سياحية، مناطق استثمارية، ومناطق حرة. من المتوقع أن يسهم المشروع في توفير 750 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وإضافة 25 مليار دولار سنويًا إلى الناتج المحلي المصري.
تعاون في التكنولوجيا والابتكار
أثمرت الزيارة عن خطوات ملموسة لتعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا الكمية، حيث تسعى مصر للاستفادة من الخبرة الإماراتية بعد إطلاق أبوظبي لأول مختبر اتصالات مؤمنة بهذه التقنية. كما تم الاتفاق على إنشاء صندوق استثماري مشترك لدعم ريادة الأعمال، مع التركيز على تطوير مراكز بيانات متقدمة بقدرة 100 ميجاواط في المرحلة الأولى، وهو ما يعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للتكنولوجيا والابتكار.
الطاقة المتجددة والاستدامة
شهدت الزيارة مناقشات حول تعزيز الاستثمارات الإماراتية في قطاع الطاقة المتجددة، بما في ذلك مشروعات طاقة شمسية ورياح بقدرة 2500 ميجاواط، إلى جانب مشروع طاقة رياح بقدرة 10 جيجاواط. هذه المشروعات تدعم رؤية مصر 2030 للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتعكس التزام البلدين بالاستدامة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
تاريخ من الدعم المتبادل
أكدت الزيارة على الروابط الأخوية التي أرساها المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والتي تطورت إلى شراكة استراتيجية تحت قيادة الشيخ محمد بن زايد والرئيس السيسي.
ويعكس عدد اللقاءات بين الزعيمين، التي وصلت إلى 52 قمة ولقاء خلال 10 سنوات، بما في ذلك 17 لقاء منذ تولي الشيخ محمد بن زايد رئاسة الإمارات في مايو 2022، عمق التنسيق والتكامل بين البلدين.
رؤية مشتركة للمستقبل
أشاد الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، بأهمية الزيارة في تعزيز الشراكة الاقتصادية والاستثمارية، مشيرًا إلى أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى بين الدول المستثمرة في مصر، مع 1941 شركة إماراتية تعمل في قطاعات متنوعة مثل الاتصالات، السياحة، والعقارات. وأضاف أن الزيارة تؤكد التزام البلدين بتحقيق التكامل الصناعي والتجاري لدعم الاكتفاء الذاتي.
من جانبه، أكد المهندس ياسر الحفناوي، القيادي بحزب مستقبل وطن، أن الزيارة تعكس قوة الترابط الأخوي والشراكة الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن الإمارات وقفت دائمًا إلى جانب مصر في أصعب اللحظات، مما يعزز من متانة العلاقات وصدق النوايا.
أبرز أرقام التجارة بين مصر والإمارات
وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قيمة التجارة بين مصر والإمارات بنسبة 77.7% خلال النصف الأول من 2025، لتسجل 4.8 مليار دولار مقابل 2.7 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2024، كما ارتفعت قيمة الصادرات المصرية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة خلال النصف الأول من عام 2025، لتصل إلى 3.8 مليار دولار مقابل 1.5 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2024، بنسبة نمو قدرها 153.3%.وبلغت قيمة الواردات المصرية من الإمارات مليار دولار خلال النصف الأول من 2025، مقابل 1.2 مليار دولار في الفترة ذاتها من 2024، مسجلة انخفاضًا نسبته 16.6%.
وزادت قيمة الاستثمارات الإماراتية في مصر خلال النصف الأول من العام المالي 2024/2025 نحو 2.2 مليار دولار، مقابل 2.1 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي 2023/2024، بزيادة نسبتها 4.8%، وارتفعت الاستثمارات المصرية في الإمارات إلى 750.1 مليون دولار، مقارنة بـ 616.2 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق، بنسبة نمو قدرها 21.7%.
وسجلت تحويلات المصريين العاملين في الإمارات نحو 1.8 مليار دولار خلال العام المالي 2023/2024، مقابل 2.1 مليار دولار في العام المالي 2022/2023، فيما بلغت تحويلات الإماراتيين العاملين في مصر 31.6 مليون دولار خلال 2023/2024، مقابل 35.5 مليون دولار في 2022/2023، ويبلغ عدد سكان مصر 108 ملايين نسمة في أغسطس 2025، مقابل 11.4 مليون نسمة لسكان الإمارات خلال نفس الفترة. فيما قدر عدد المصريين المقيمين في دولة الإمارات بنحو 975 ألف شخص حتى نهاية عام 2023.