أثار إعلان المخرج المصري محمد سامي في مارس 2025 اعتزاله الإخراج التلفزيوني بعد مسيرة استمرت 15 عامًا، جدلًا واسعًا في الأوساط الفنية والإعلامية، خاصة بعد نجاحاته الكبيرة في تقديم أعمال درامية جماهيرية مثل “جعفر العمدة” و”سيد الناس” و”إش إش”.
لكن قرار عودته في أغسطس 2025 لإخراج مسلسل جديد بعنوان “رد كليتي” لموسم رمضان 2026، أعاد فتح النقاش حول ظاهرة اعتزال المخرجين وتراجعهم عنها.
محمد سامي لم يكن الأول في هذا المسار، فقد سبقه عدد من المخرجين المصريين البارزين الذين أعلنوا الاعتزال ثم عادوا إلى الساحة الفنية بأعمال جديدة، تاركين بصماتهم مجددًا في الدراما والسينما.
محمد سامي: اعتزال قصير وعودة منتظرة
أعلن محمد سامي (مواليد 1983) اعتزاله الإخراج التلفزيوني في مارس 2025، مشيرًا إلى رغبته في تجنب التكرار والتشبع الجماهيري، وخوفه من فقدان شغف الجمهور بأسلوبه الإخراجي.
وأوضح في منشور عبر حسابه على “فيسبوك” أن قراره جاء بعد تفكير طويل، وأنه ينوي السفر للخارج لاستكمال دراسته لمدة عامين، بعد إنهاء التزاماته بمسلسلي “سيد الناس” بطولة عمرو سعد و”إش إش” بطولة زوجته مي عمر.
لكن بعد خمسة أشهر فقط، أعلن سامي عودته في أغسطس 2025 بمسلسل “رد كليتي”، واصفًا إياه بـ”الأهم في مسيرته الفنية والأعلى مشاهدة وجدلًا”.
وأكدت الفنانة هالة صدقي، التي شاركته في أعمال سابقة، أن قرار الاعتزال لم يكن نهائيًا، مشيرة إلى أن “الفن يسري في دمه”، وأن الضغوط النفسية والعصبية التي مر بها خلال إخراج عملين في موسم رمضان 2025 كانت وراء قراره المؤقت.
كما أوضحت مي عمر أن الاعتزال كان بمثابة فترة راحة لإعادة ترتيب أولوياته، وليس استجابة للانتقادات التي طالت أعماله.
مخرجون عادوا من الاعتزال: قصص
محمد سامي ليس الوحيد الذي تراجع عن قرار الاعتزال، فقد شهدت الساحة الفنية المصرية عدة حالات لمخرجين بارزين اختاروا العودة بعد فترات توقف، مدفوعين بشغفهم بالفن أو بطلب جماهيري وتغيرات في الظروف الشخصية أو المهنية.
يوسف شاهين: الأسطورة التي لم تستسلم
يُعتبر يوسف شاهين (1926-2008) أحد أعمدة السينما المصرية، وقد أعلن في تسعينيات القرن الماضي نيته التوقف عن الإخراج بسبب الضغوط الإنتاجية والرقابة التي واجهته، خاصة بعد أزمات مثل منع فيلم “المهاجر” (1994). لكنه عاد بقوة بأعمال مثل “المصير” (1997) و”الآخر” (1999)، مؤكدًا أن شغفه بالسينما كان أقوى من أي تحديات. عودته أثرت السينما العربية بأعمال عكست رؤيته الفنية والإنسانية.
محمد خان: العودة بعد أزمات إنتاجية
المخرج محمد خان (1942-2016)، أحد رواد السينما الواقعية، أعلن توقفه عن الإخراج في أوائل الألفية بسبب صعوبات الإنتاج وتراجع السوق السينمائي. لكنه عاد في 2011 بفيلم “فتاة المصنع”، الذي حقق نجاحًا نقديًا وجماهيريًا، مؤكدًا قدرته على تقديم أعمال تعكس نبض الشارع المصري. عودته كانت بمثابة شهادة على إبداعه المستمر.
خيري بشارة: من التوقف إلى التجديد
خيري بشارة، أحد أبرز مخرجي الثمانينيات، توقف عن الإخراج لسنوات طويلة بسبب تراجع فرص الإنتاج وتحولات السوق الفني. لكنه عاد في 2010 بفيلم “وصية رجل حكيم”، محافظًا على أسلوبه المميز الذي يمزج بين الواقعية والشاعرية. عودته أثبتت أن الفنان الحقيقي يجد طريقه إلى الإبداع مهما طال غيابه.
كاملة أبو ذكري: العودة بعد فترة تأمل
المخرجة كاملة أبو ذكري، التي اشتهرت بأعمال مثل “واحد صفر” و”سجن النسا”، أعلنت في 2018 فترة توقف مؤقتة بسبب الإرهاق وضغوط العمل.
لكنها عادت في 2020 بمسلسل “ليه لأ”، محققة نجاحًا كبيرًا بفضل رؤيتها الفنية المتميزة التي تركز على القضايا الاجتماعية. عودتها أكدت أهمية أخذ فترات راحة لاستعادة الطاقة الإبداعية.
مروان حامد: العودة بعد غياب طويل
مروان حامد، مخرج أفلام مثل “الفيل الأزرق” و”عمارة يعقوبيان”، اختار الابتعاد عن الأضواء لسنوات بعد نجاحاته الكبيرة، لكنه عاد في 2022 بمسلسل “القاتل الذي أحبني”، مقدمًا تجربة درامية جديدة أثبتت قدرته على التجديد والتأقلم مع متطلبات العصر.
لماذا يعود المخرجون؟
تكشف تجارب هؤلاء المخرجين عن أسباب مشتركة وراء العودة بعد الاعتزال، تشمل:
ـ الشغف الفني
ـ الطلب الجماهيري
ـ التحديات الإنتاجية
ـ الرغبة في التجديد
تأثير العودة على المشهد الفني
عودة مخرجين مثل محمد سامي وغيرهم تضيف زخمًا للدراما المصرية، خاصة في ظل المنافسة الشرسة في موسم رمضان.
ومع إعلان سامي عن “رد كليتي”، يترقب الجمهور عملًا يعيد تأكيد مكانته كأحد أبرز المخرجين الجماهيريين، خاصة بعد تصريحاته بأن المسلسل سيحمل نكهة مختلفة.
كما أن عودة مخرجين مثل يوسف شاهين ومحمد خان في الماضي أثرت السينما بأعمال خالدة، فإن عودة سامي وغيره من المعاصرين تؤكد حيوية الدراما المصرية وقدرتها على التجدد.