في خطوة وُصفت بأنها “إيجابية ومهمة”، رحّب وزير الخارجية المصري، السفير بدر عبدالعاطي، بقرار السلطات الإيرانية تغيير اسم شارع “خالد الإسلامبولي” في طهران، والذي ظل لعقود رمزًا للتوتر في العلاقات بين مصر وإيران، نظرًا لكونه يحمل اسم الضابط المصري الذي اغتال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981 ، وخلال لقائه مع الإعلامية لميس الحديدي، في برنامج “كلمة أخيرة” المذاع على قناة “ON”، أوضح وزير الخارجية المصري أن هذه المبادرة تُعد “خطوة جيدة”، مشيرًا إلى أنها “تُزيل أحد المعيقات التي كانت تعيق تحسن العلاقات بين القاهرة وطهران”، وتفتح الباب أمام المزيد من الخطوات المتبادلة لتحسين العلاقات الثنائية.
إزالة أحد أبرز رموز الخلاف
وكانت إيران قد أطلقت اسم خالد الإسلامبولي، الضابط المصري المنتمي إلى “الجهاد الإسلامي”، على أحد شوارع العاصمة طهران بعد حادثة اغتيال السادات، وهو ما أثار اعتراضًا دائمًا من الجانب المصري، واعتُبر عقبة رئيسية أمام تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وقد أعلنت السلطات الإيرانية، في 15 يونيو الماضي، عن تغيير اسم الشارع رسميًا ليحمل اسم “سيد حسن نصر الله”، الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني، في قرار اعتبرته وكالة “تسنيم” شبه الرسمية جاء بالتنسيق مع وزارة الخارجية الإيرانية ومجلس بلدية طهران.
ويُعد هذا التغيير أول اعتراف إيراني رسمي -وإن بشكل غير مباشر– بحساسية هذا الملف في سياق العلاقات مع القاهرة، ويأتي بعد سنوات من المراوحة والتوتر السياسي.
تحركات دبلوماسية هادئة
في حديثه التلفزيوني، كشف وزير الخارجية المصري أن هناك بالفعل تحركًا مصريًا على مسارين، الأول ثنائي، والثاني إقليمي، للتعامل مع العلاقات المصرية الإيرانية، مضيفًا: “لدينا بعض الشواغل، وبعض هذه الشواغل تم التعامل معها، وعلى رأسها موضوع الشارع الذي تم تغييره مؤخرًا، وهذه خطوة جيدة ونرحب بها بطبيعة الحال”.
واستطرد عبدالعاطي قائلاً: “لا زالت هناك شواغل أخرى تتعلق بالوضع الإقليمي، وسلوك إيران الإقليمي، وسياسات حسن الجوار، وقد عبّرنا عن مواقفنا في أكثر من مناسبة”.
وفي إشارة إلى الانخراط المصري المتزايد في الشأن الخليجي، أكد الوزير أن القاهرة أدانت مؤخرًا الضربات الإيرانية التي استهدفت دولة قطر، واصفًا ذلك بأنه “غير مقبول”، ومشددًا على أن “أمن الخليج العربي وأمن الدول العربية هو من أمن مصر”.
آفاق مفتوحة لكن حذرة
ورغم هذه التحفظات، أكد وزير الخارجية المصري أن هناك مسارًا قائمًا للتفاعل مع الجانب الإيراني، وأن العلاقات بين البلدين “تسير بوتيرة جيدة، وبشكل تراكمي”، على حد تعبيره، مضيفًا: “نأمل أن تؤدي هذه التحركات إلى انفراجة كاملة في العلاقة مع إيران”.
وفيما يتعلق بتوقيت استعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، أوضح عبدالعاطي أن هناك إجراءات قيد التنفيذ لتدشين آلية للمشاورات السياسية مع إيران، لكنها ستكون “على المستوى دون الوزاري” في الوقت الحالي، مع فتح باب النقاش حول التعاون في مجالات عدة، من بينها التجارة والسياحة والاقتصاد.
ويرى مراقبون أن التدرج في استئناف العلاقات يعكس حرص القاهرة على اختبار نوايا الجانب الإيراني بمرونة، دون التسرع في إقامة علاقات كاملة قبل التأكد من تغيير فعلي في السياسة الإيرانية تجاه ملفات المنطقة.
مواقف متباينة وسياق معقد
وتاريخيًا، تعثرت العلاقات المصرية الإيرانية منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وبلغ التوتر ذروته بعد اغتيال السادات وتكريم طهران لخالد الإسلامبولي، حيث اعتبرت القاهرة أن ذلك يشكل إهانة لرمز وطني، بينما كانت طهران ترى في موقفها تعبيرًا عن عدائها لمعاهدة “كامب ديفيد” مع إسرائيل.
ورغم وجود تبادل دبلوماسي محدود عبر مكاتب لرعاية المصالح، لم تُستأنف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين حتى اليوم، بسبب تراكم الخلافات السياسية والإقليمية، خصوصًا في ما يتعلق بالمواقف من النزاع السوري، والدور الإيراني في العراق واليمن ولبنان.
لكن في السنوات الأخيرة، ومع تغير خريطة التحالفات الإقليمية، بدا أن هناك محاولات هادئة لإعادة فتح قنوات الاتصال بين القاهرة وطهران، في ظل إدراك مشترك أن استمرار القطيعة لا يخدم مصالح أي من الطرفين.
هل يفتح التغيير الباب لتقارب أكبر؟
يعوّل بعض المحللين على خطوة تغيير اسم الشارع كمؤشر إلى رغبة إيرانية فعلية في فتح صفحة جديدة مع مصر، خصوصًا أن القرار تم اتخاذه بالتنسيق مع وزارة الخارجية الإيرانية، وهي رسالة دبلوماسية واضحة للقاهرة.
في المقابل، تتريث القاهرة في التجاوب، وتحاول الموازنة بين الانفتاح على طهران من جهة، وبين التزاماتها الاستراتيجية مع دول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات، التي تعتبر النشاط الإيراني مصدر قلق دائم في المنطقة.
في ظل التغيرات المتسارعة في الإقليم، تبقى العلاقة بين مصر وإيران من الملفات الشائكة التي تحتاج إلى خطوات محسوبة من الطرفين. ويبدو أن القاهرة ترحب بالخطوات الرمزية، مثل إزالة اسم قاتل السادات من شوارع طهران، لكنها لا تزال تنتظر أفعالاً أكثر عمقًا على الأرض، قبل أن تعلن عن انفراجة كاملة. وحتى ذلك الحين، تبقى المشاورات جارية، و”الشواغل” قائمة، في انتظار توازن دقيق بين المصالح والاعتبارات التاريخية والسياسية.