في مشهد حزين هزّ أوساط الكرة العالمية، ودّعت البرتغال نجمها ديوجو جوتا، لاعب منتخب البرتغال ونادي ليفربول الإنجليزي، في جنازة مهيبة أقيمت صباح السبت بمدينة غوندومار الواقعة شمالي البلاد، وذلك بعد وفاته المفاجئة في حادث سير مروّع وقع على الأراضي الإسبانية، وأودى بحياته إلى جانب شقيقه أندريه سيلفا. الحادث المؤلم ترك صدمة كبيرة لدى الجماهير واللاعبين على حد سواء، خاصة أن جوتا كان يعيش واحدة من أفضل فتراته الكروية، سواء على مستوى النادي أو المنتخب.
مراسم التشييع شهدت حضور العديد من نجوم كرة القدم البرتغالية والأوروبية، في مقدمتهم عدد من لاعبي ليفربول الإنجليزي مثل فيرجيل فان دايك وآندي روبرتسون، إضافة إلى لاعبين سابقين من نادي وولفرهامبتون، الذين حرصوا على قطع مسافات طويلة للمشاركة في وداع زميلهم الراحل.
كما حضر بعض نجوم المنتخب البرتغالي الحاليين، مثل برونو فرنانديز وبرناردو سيلفا وجواو نيفيز، الذين ظهروا متأثرين بشدة أثناء دخولهم “كنيسة القيامة” في غوندومار، حيث أقيمت مراسم الجنازة وسط حضور إعلامي كثيف ومشاعر من الحزن العميق.
المفاجأة التي أثارت جدلًا واسعًا كانت غياب النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، قائد المنتخب الوطني وأحد أهم رموزه التاريخية، عن الجنازة، رغم العلاقة القوية التي جمعته بجوتا داخل معسكرات المنتخب. ورغم عدم حضوره الفعلي، إلا أن رونالدو حرص على التعبير عن حزنه عبر رسالة مؤثرة نشرها على حساباته الرسمية، قال فيها: “الأمر لا يُصدّق. كنا معاً للتو في المنتخب، وكنت قد تزوجت للتو.
إلى عائلتك وزوجتك وأطفالك، أبعث بتعازيّ القلبية وأتمنى لهم كل القوة في العالم. أعلم أنك ستكون معهم دائماً. ارقدا بسلام، ديوغو وأندريه. سنفتقدكما جميعًا”. ورغم هذه اللفتة العاطفية، إلا أن الجدل لم يتوقف، واشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بالانتقادات من جهة، والدفاعات من جهة أخرى، بشأن تصرف رونالدو، وما إذا كان مقبولًا من نجم بحجمه أن يغيب عن مثل هذه اللحظات الفارقة.
سبب غياب رونالدو: تجنّب الأضواء أم تهرّب من المسؤولية؟
غياب كريستيانو رونالدو عن جنازة ديوغو جوتا لم يكن أمرًا عابرًا، بل تحوّل إلى محور نقاش بين الإعلام والجمهور على حد سواء، حيث تساءل الكثيرون: لماذا لم يحضر القائد؟ هل السبب هو احترام خصوصية العائلة المكلومة؟ أم أن رونالدو أراد تجنّب الظهور الإعلامي الزائد؟
بحسب ما نشرته صحيفة “ميرور فوتبول” البريطانية، فإن رونالدو قرر عدم الحضور شخصيًا حتى لا يُسلّط الإعلام الأضواء عليه ويحول مراسم الجنازة إلى استعراض إعلامي، معتبرًا أن غيابه هو في حد ذاته لفتة احترام لخصوصية أهل جوتا، الذين طلبوا ألا تتحول الجنازة إلى مناسبة جماهيرية ضخمة. ورأى البعض أن هذا الموقف ينم عن نضج عاطفي ووعي بالمسؤولية من جانب كريستيانو، الذي لطالما اتُهم بالأنانية أو حب الظهور في مناسبات عدة.
لكن على الجهة الأخرى، لم تسلم هذه الخطوة من الهجوم، حيث عبّر قطاع كبير من المشجعين عن استيائهم من تصرف رونالدو، مؤكدين أن وجوده كان سيحمل رسالة دعم قوية لعائلة الفقيد، وخاصة أنه قائد المنتخب وأحد أبرز لاعبي البرتغال في التاريخ. أحد المشجعين كتب على تويتر: “مهما كانت الأسباب، كان يجب أن يكون أول الحاضرين. هذا أقل ما يمكن أن يُقدّمه القائد في مثل هذه المواقف”. فيما كتب آخر: “احترم قراره، لكني لا أراه صائبًا. الظهور لا يعني سرقة الأضواء بل الوقوف بجانب العائلة والأصدقاء في أصعب اللحظات”.
جوتا.. مسيرة واعدة انتهت في لحظة
ديوجو جوتا لم يكن مجرد لاعب موهوب، بل كان مشروع نجم عالمي في كرة القدم. بزغ نجمه سريعًا مع نادي وولفرهامبتون، ومنه إلى ليفربول، حيث تألق تحت قيادة يورغن كلوب، ونجح في أن يكون عنصرًا أساسيًا في التشكيلة، مسجلاً أهدافًا حاسمة في دوري الأبطال والدوري الإنجليزي. كما فرض نفسه في المنتخب البرتغالي، وكان يُتوقّع له مستقبل كبير ضمن جيل شاب يقوده رونالدو في يورو 2024.
وفاة جوتا جاءت بعد أسابيع قليلة من احتفاله بزفافه، ووسط تحضيره للموسم الجديد مع ناديه، ليُفاجأ الجميع بخبر وفاته المفجعة في حادث مروري أثناء قضاء إجازته في إسبانيا، حيث توفي أيضًا شقيقه أندريه سيلفا، وهو ما ضاعف من حجم المأساة. الجماهير التي تابعته وشجّعته لم تصدّق الخبر في البداية، قبل أن تنتشر الصور من جنازته، والتي أظهرت حجم التأثر في الوسط الكروي.
الجدل مستمر.. بين محبّ ومهاجم لرونالدو
انقسام الآراء حول غياب رونالدو عن الجنازة لا يزال قائمًا، ويبدو أنه لن يُحسم قريبًا. البعض يرى أن “الدون” تصرّف بنبل وإنسانية، وأن رسالته على مواقع التواصل الاجتماعي كانت كافية ومعبّرة. بينما يعتقد آخرون أن المواقف الكبيرة تحتاج إلى تواجد فعلي، وأن الكاريزما القيادية التي يتحدث عنها البعض تتطلب مواقف لا تُنسى، مثل الوقوف على رأس الجنازة، لا الغياب عنها.
هل كان غياب رونالدو خطأ؟
يبقى السؤال مفتوحًا: هل أخطأ كريستيانو رونالدو بعدم حضوره جنازة زميله ديوغو جوتا؟ أم أن ما فعله يُعد تصرفًا عقلانيًا وإنسانيًا في ظل ظروف خاصة؟
في النهاية، ما لا خلاف عليه هو أن جوتا رحل في عمر مبكر، وأن كرة القدم فقدت أحد مواهبها الواعدة، وأن المشهد الذي خيّم على كنيسة القيامة سيظل عالقًا في ذاكرة كل من أحبوه ، سواء حضروا الجنازة… أو غابوا عنها.