تواصل النيابة العامة المصرية جهودها الموسعة لكشف ملابسات الحريق الكبير الذي اندلع مؤخرًا في مبنى سنترال رمسيس وسط العاصمة القاهرة. وقد انتقل فريق من نيابة استئناف القاهرة لموقع الحادث، حيث قام بمعاينة شاملة لكافة أرجاء المبنى المتضرر، بما في ذلك طوابقه المختلفة وملحقاته، لتوثيق آثار الحريق وتحديد نطاق الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والتجهيزات الفنية داخله ، وفي الساعات الأخيرة ، قام وكلاء النيابة بإجراء معاينة دقيقة لمبنى سنترال رمسيس من الداخل، وحرصوا على فحص كل طابق على حدة، بداية من الأرضي حتى الأعلى، بهدف التأكد من مدى تضرر كل جزء فيه، وتسجيل جميع مظاهر الحريق وآثاره. وشملت المعاينة أيضًا جميع الوحدات المرتبطة بالمبنى، مثل غرف الكهرباء والتجهيزات الفنية الملحقة، مما يبرز حرص السلطات على كشف كل تفصيلة قد تكون لها علاقة بأسباب أو نتائج الحريق.
كما أمرت النيابة بالتحفظ على أنظمة المراقبة داخل المبنى، بما في ذلك أجهزة الكاميرات ووحدات التخزين، لمراجعة كل ما سجلته تلك الأنظمة خلال الساعات التي سبقت اندلاع الحريق، وأثناء الحادث نفسه. يأتي هذا الإجراء في إطار السعي لتحديد مصدر الاشتعال أو معرفة إن كانت هناك شبهة جنائية في الحادث.
النيابة العامة تشكل لجان فنية من جهات متعددة
في سياق الجهود الفنية المصاحبة للتحقيق، أمرت النيابة العامة بتشكيل لجنة خماسية من أساتذة متخصصين في كلية الهندسة، لتقييم حالة البنية التحتية الخاصة بأنظمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات داخل المبنى. وستتولى اللجنة مسؤولية فحص الخوادم الرئيسية، وأنظمة الشبكات، والمولدات الكهربائية، ووحدات البطاريات، وذلك لتقييم مدى مطابقتها للمعايير والأكواد الفنية المعتمدة في هذا المجال.
وفي الوقت ذاته، تقرر تشكيل لجنة أخرى ثلاثية تضم ممثلين من المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء، وكلية الهندسة بجامعة القاهرة، والإدارة الهندسية بمحافظة القاهرة. الهدف من هذه اللجنة هو تقييم الحالة الإنشائية للمبنى المتضرر، وتحديد إذا ما كانت هناك حاجة إلى اتخاذ قرارات عاجلة تتعلق بالهدم الجزئي أو الكلي أو الترميم لضمان سلامة المواطنين والمباني المحيطة.
كما طلبت النيابة العامة من قطاع الحماية المدنية التابع لوزارة الداخلية إعداد تقرير فني شامل عن مدى توافر اشتراطات الوقاية من الحرائق داخل المبنى، سواء قبل الحادث أو خلاله. وستتضمن هذه الدراسة أيضًا الكشف عن مدى الالتزام بتنفيذ أعمال الصيانة الدورية لأنظمة الحماية من الحريق مثل رشاشات المياه، وأجهزة الإنذار، ومخارج الطوارئ.
الأدلة الجنائية تدخل على الخط
ضمن إجراءات التحقيق الجنائي، قررت النيابة العامة ندب خبراء من الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية لرفع كل الآثار الناتجة عن الحريق من موقع الحادث. سيقوم الخبراء بتحليل بقايا المواد المحترقة، ومعرفة طبيعة المواد المستخدمة في التشطيب أو التخزين والتي قد تكون ساهمت في سرعة اشتعال الحريق وانتشاره. كما سيتم فحص أي آثار لبقايا سوائل قابلة للاشتعال أو وجود توصيلات كهربائية مخالفة قد تكون مصدرًا لبدء الحريق.
وتشير المؤشرات الأولية إلى أن الحريق امتد بشكل كبير داخل المبنى، ما قد يعقّد مهمة تحديد البؤرة الأولى للاشتعال. ومع ذلك، يبذل فريق التحقيق أقصى جهده للتوصل إلى نتائج دقيقة وموثقة.
متابعة حكومية وتغطية إعلامية واسعة لحادث حريق سنترال رمسيس
لاقى الحادث اهتمامًا كبيرًا من الحكومة المصرية، حيث ظهر رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي في تصريحات متلفزة تناولت أبعاد الحريق، وطمأن المواطنين بأن الدولة تتابع الموقف عن كثب، وأن الجهات المختصة ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان سلامة المواطنين واستمرار الخدمات المرتبطة بالبنية التحتية التي تأثرت بالحريق.
وقد تصدر خبر الحريق عناوين العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، نظرًا لأهمية المبنى الذي يقع في قلب العاصمة، ويعد من المنشآت الحيوية التي تضم العديد من تجهيزات الاتصالات والشبكات المركزية، وهو ما أثار مخاوف حول مدى تأثير الحريق على خدمات الاتصالات في القاهرة وربما محافظات أخرى.
أبعاد حادث سنترال رمسيس وتأثيراته المستقبلية
الحريق أعاد إلى الواجهة التساؤلات القديمة حول مدى جاهزية المباني الحكومية والبنية التحتية الحيوية في مصر لمواجهة الكوارث، ومدى التزامها بمعايير السلامة والصيانة. وأثار الحادث أيضًا النقاش حول أهمية أن تكون مثل هذه المنشآت مؤمنة بشكل كافٍ ضد الحريق سواء من حيث التصميم أو من حيث التجهيزات.
ومن المتوقع أن تؤدي نتائج التحقيق الجاري إلى قرارات تنظيمية جديدة وربما إعادة تقييم المعايير الهندسية في تصميم مباني الاتصالات والبنية التحتية الرقمية، خاصة تلك التي تعاني من قدم في الإنشاءات أو تشهد ازدحامًا في الأجهزة والأنظمة الإلكترونية.
ولا تزال التحقيقات جارية حتى اللحظة، في انتظار ما ستسفر عنه تقارير اللجان الفنية والجنائية المختلفة. وتؤكد النيابة العامة أنها ستتعامل بكل شفافية مع نتائج التحقيق، وستتخذ الإجراءات القانونية المناسبة بناءً على ما يتم التوصل إليه من أدلة ومعطيات.
يبقى الهدف الأول من هذا التحقيق هو الحفاظ على سلامة الأرواح والممتلكات، وتفادي تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل من خلال تعزيز معايير الأمان والسلامة في المنشآت العامة، خصوصًا تلك التي تؤدي دورًا حيويًا في حياة المواطنين اليومية.