البحث عن مخرج من أزمة الكهرباء في ظل تكرار انقطاع الكهرباء في مصر، الذي بات يُعرف بـ”تخفيف الأحمال”، يجد المواطنون أنفسهم أمام تحدٍ يومي يدفعهم للبحث عن حلول فردية لضمان استمرارية الطاقة.
مع ارتفاع تكاليف البدائل التقليدية، مثل المولدات الكهربائية وصعوبة توفير الوقود اللازم لتشغيلها، أصبحت الطاقة الشمسية خيارًا يلوح في الأفق كحل نظيف ومستدام.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تناسب تكلفة تركيب الألواح الشمسية فوق أسطح المنازل جيوب المصريين؟ وهل يمكن أن تكون هذه التقنية الحل العملي لأزمة الكهرباء؟
واقع الطاقة الشمسية في مصر: أرقام وإمكانيات
تُعد مصر من الدول الرائدة عربيًا في مجال الطاقة الشمسية، حيث احتلت المركز الرابع في إنتاج الطاقة الشمسية عام 2023 بقدرة 1856 ميجاواط، خلف الإمارات (5929 ميجاواط)، السعودية (2285 ميجاواط)، والأردن (1990 ميجاواط).
وتسعى الحكومة المصرية إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني إلى 42% بحلول عام 2035، وفقًا لخطط مجلس الوزراء.
هذه الطموحات تعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية الطاقة النظيفة في مواجهة التحديات البيئية وأزمات الطاقة.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالأفراد، فإن تركيب الألواح الشمسية فوق أسطح المنازل يواجه تحديات اقتصادية وتقنية.
بحسب لجنة الطاقة الجديدة والمتجددة باتحاد الصناعات المصرية، سجلت أسعار الألواح الشمسية في نهاية مايو 2025 حوالي 9 جنيهات للواط الواحد.
متوسط سعر لوح طاقة شمسية مصنوع من المونوكريستالين (أحادي البلورة) يبلغ حوالي 6000 جنيه، بينما تصل تكلفة إنشاء أصغر محطة طاقة شمسية منزلية (5 كيلوواط) إلى حوالي 100 ألف جنيه، بمعدل 18 ألف جنيه لكل كيلوواط.
الطاقة الشمسية: حل واعد أم خيار بعيد المنال؟للإجابة عن سؤال مدى ملاءمة الطاقة الشمسية للأسر المصرية، يجب النظر إلى الجوانب الاقتصادية والتقنية بعين فاحصة.
يوضح تامر أحمد، خبير تكنولوجيا المعلومات، أن الطاقة الشمسية “الفوتوفولطية” تعتمد على الخاصية الضوئية للشمس وليس حرارتها، مما يجعل سطوع الشمس العامل الأساسي في كفاءتها.
في الواقع، درجات الحرارة المرتفعة قد تكون عدوًا للألواح الشمسية، حيث تتسبب في ظاهرة “البقع الساخنة” التي تقلل من كفاءتها أو تؤدي إلى تلفها.
التكلفة: عبء اقتصاديمتوسط استهلاك المنزل المصري يبلغ حوالي 240 كيلوواط/ساعة شهريًا دون استخدام مكيفات الهواء. لكن مع تشغيل مكيف واحد بقدرة 1.5 حصان، يرتفع الاستهلاك إلى 600 كيلوواط، ومع مكيفين قد يتجاوز 1000 كيلوواط.
لتلبية احتياجات منزل متوسط دون مكيفات، تتطلب محطة طاقة شمسية بقدرة 5 كيلوواط/ساعة يوميًا، بتكلفة تتراوح بين 75 إلى 85 ألف جنيه.
أما في حالة استخدام المكيفات، فقد تصل التكلفة إلى 300 ألف جنيه لكل وحدة سكنية في العمارات الكبيرة، وهو مبلغ يفوق قدرات معظم الأسر المصرية.
المساحة: تحدي تقني
يحتاج كل لوح شمسي ينتج نصف كيلوواط إلى مساحة حوالي مترين مربعين. محطة بقدرة 5 كيلوواط تتطلب 10 ألواح، أي حوالي 20 مترًا مربعًا، ويجب أن تكون موجهة نحو الجنوب لضمان أقصى استفادة من سطوع الشمس.
أما لتلبية احتياجات منزل يستخدم مكيفات، فقد تتطلب المحطة مساحة تصل إلى 60 مترًا مربعًا، وهي مساحة قد لا تكون متوفرة في العديد من المنازل، خاصة في المناطق الحضرية المزدحمة.
تحديات العمارات السكنية
في العمارات الكبيرة التي تضم أكثر من 20 وحدة سكنية، يصبح الاتفاق على تركيب الألواح الشمسية أمرًا شبه مستحيل بسبب ارتفاع التكلفة والحاجة إلى مساحات واسعة.
حتى لو تم تركيب الألواح لتشغيل المنافع المشتركة (مثل إنارة الطرقات أو موتور المياه)، فإن التكلفة الإجمالية، التي تشمل الخلايا، البطاريات، والانفرتر، قد تجعل الخيار غير مجدٍ اقتصاديًا.
الإطار التنظيمي: دعم محدود
وفقًا للكتاب الدوري رقم 2 لعام 2020 الصادر عن جهاز تنظيم مرفق الكهرباء، تُعفى محطات الطاقة الشمسية حتى 500 كيلوواط من رسوم الدمج على الشبكة الكهربائية القومية، بينما تُفرض رسوم على المحطات التي تتراوح بين 500 كيلوواط و20 ميجاواط.
هذا الدعم يُعد خطوة إيجابية، لكنه لا يكفي لجعل الطاقة الشمسية خيارًا ميسورًا للأفراد، خاصة مع ارتفاع تكاليف البطاريات والانفرتر التي تُضاف إلى تكلفة الألواح.
مقارنة عالمية: الاستثمار في الطاقة الشمسية
على المستوى العالمي، أشار المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية إلى أن الاستثمار في الطاقة الشمسية تجاوز الإنفاق على إنتاج النفط لأول مرة في 2023، حيث بلغ 382 مليار دولار مقارنة بـ371 مليار دولار للنفط.
ومع ذلك، تستحوذ الصين على أكثر من 80% من صناعة الألواح الشمسية، مما يعني أن الأسواق المحلية، مثل مصر، تعتمد بشكل كبير على الواردات، مما يزيد من التكلفة.
لماذا لا تُعد الطاقة الشمسية حلاً مثاليًا بعد؟
يوضح تامر أحمد أن الطاقة الشمسية، رغم كونها حلاً عصريًا ومستدامًا، لا تناسب المنازل المصرية العادية لعدة أسباب:
التكلفة المرتفعة: تكلفة إنشاء محطة منزلية صغيرة (75-100 ألف جنيه) تشكل عبئًا كبيرًا على الأسر ذات الدخل المتوسط.
متطلبات المساحة: العديد من المنازل، خاصة في المدن، لا تملك مساحات كافية لاستيعاب الألواح المطلوبة.
الاعتماد على الظروف المناخية: كفاءة الألواح تعتمد على سطوع الشمس بدرجات حرارة معتدلة، وهو ما قد يتأثر بالمناخ الحار في مصر.
التحديات اللوجستية: في العمارات السكنية، تنسيق تركيب الألواح بين السكان يُعد تحديًا إداريًا وماليًا.
ومع ذلك، يُعتبر الخيار أكثر جدوى للفلل أو المنازل المستقلة التي يملكها مالك واحد، حيث تكون عملية اتخاذ القرار أسهل وتكاليف التركيب يمكن أن تكون أكثر تحملًا.
توصيات لتعزيز الطاقة الشمسية في مصر
لجعل الطاقة الشمسية خيارًا ميسورًا للأسر المصرية، يمكن اعتماد التوصيات التالية:
دعم حكومي: تقديم قروض ميسرة أو إعانات لتغطية تكاليف تركيب الألواح والبطاريات.
تصنيع محلي: تشجيع إنتاج الألواح الشمسية محليًا لتقليل الاعتماد على الواردات وخفض التكاليف.
حملات توعية: تثقيف المواطنين حول فوائد الطاقة الشمسية وكيفية استخدامها بكفاءة.
حلول جماعية: تطوير نماذج لتركيب ألواح شمسية مشتركة في العمارات السكنية بتكاليف مدعومة.