في الوقت الذي يواصل فيه الدمار خنق قطاع غزة، تزداد أزمة الجوع بشكل مأساوي، حيث بدأت المجاعة تضرب أرجاء القطاع المكتظ بالسكان، وسط انهيار كامل للمنظومة الإنسانية، وتوقف شبه تام لمفاوضات وقف إطلاق النار. وبينما يسود الجمود السياسي، تتسارع الكارثة على الأرض، تاركة المدنيين وحدهم في مواجهة الجوع والموت.
مجاعة تضرب 2.2 مليون إنسان
تشير التقارير الصادرة عن منظمات الإغاثة الدولية إلى أن سكان غزة البالغ عددهم حوالي 2.2 مليون نسمة يعيشون في ظل مجاعة متفاقمة. المخزونات الغذائية أوشكت على النفاد، ومع إغلاق إسرائيل الكامل لمعابر القطاع منذ مارس/آذار، لم تتمكن سوى كميات محدودة من المساعدات من العبور خلال مايو/أيار، لكنها كانت مشروطة ومقيدة.
وقد حذرت الأمم المتحدة، الجمعة، من أن الأغذية العلاجية الخاصة بالأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد أصبحت شبه منعدمة، مما يهدد حياة الآلاف من الأطفال الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في هذا المكان المنكوب.
تسعة قتلى جدد في غزة بسبب الجوع
في مؤشر مروع على تدهور الوضع الغذائي، أعلنت السلطات الطبية في غزة عن وفاة تسعة أشخاص خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية بسبب سوء التغذية، فيما تجاوز عدد الوفيات خلال الأسابيع الأخيرة العشرات. وبينما تستمر الحرب، تتصاعد أرقام الضحايا بصمت، لتشكل المجاعة “العدو الجديد” الذي لا يفرق بين طفل وامرأة أو مسن.
المساعدات من الجو.. خطوة مرفوضة
أعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، موافقته على السماح بإسقاط مساعدات إنسانية جواً داخل القطاع. لكن هذه الخطوة قوبلت برفض فلسطيني واسع، ووصفتها حركة حماس بأنها “استعراض إعلامي”، بينما قال إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامي لحكومة غزة: “نحن لا نحتاج عروضًا جوية، بل ممراً إنسانيًا مفتوحًا وشاحنات إغاثة مستمرة”.
تعثر المفاوضات.. وإسرائيل تتشدد
على الصعيد السياسي، تلقى ملف المفاوضات ضربة قوية، بعد أن أعلن كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن حركة حماس لا ترغب في الوصول إلى اتفاق. نتنياهو أشار إلى أن إسرائيل تدرس خيارات “بديلة” لتحقيق أهدافها، في مقدمتها استعادة الرهائن والقضاء على حماس.
أما ترامب، فذهب أبعد من ذلك حين قال من البيت الأبيض: “أعتقد أن حماس لا تريد التوصل إلى اتفاق. إنهم يفضلون الموت، وهذا أمر مروع. لا بد من إنهاء هذه المهمة”، في إشارة إلى استمرار العمليات العسكرية.
تصريحات تشي بإغلاق الباب
تصريحات نتنياهو وترامب بدت وكأنها تُغلق باب التفاوض في المدى القريب، خصوصًا بعد انسحاب الوفدين الإسرائيلي والأمريكي من محادثات الدوحة، والتي جاءت بعد ساعات فقط من تسليم حركة حماس ردها على المقترح المطروح للتهدئة.
وبالرغم من إعلان الجانب الإسرائيلي أن الانسحاب للتشاور فقط، فإن التصريحات اللاحقة لنتنياهو والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف حمّلت حماس مسؤولية تعثر التفاوض، بينما وصفت الحركة الفلسطينية موقفها بأنه “مسؤول” و”قابل للبناء عليه”.
ماكرون يعترف بالدولة الفلسطينية.. وترامب يسخر
وفي تطور لافت، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن باريس ستصبح أول قوة غربية كبرى تعترف بالدولة الفلسطينية، في خطوة أثارت تفاعلاً دوليًا. إلا أن ترامب قلل من أهميتها قائلاً: “ما يقوله ماكرون لا يهم. إنه رجل جيد، لكنه ليس صاحب قرار مؤثر”.
وساطة مصر وقطر: تقدم نسبي.. والكرة في ملعب إسرائيل
أصدرت كل من مصر وقطر، الوسيطتين الرئيسيتين في المفاوضات، بيانًا مشتركًا الجمعة، قالتا فيه إن بعض التقدم تحقق في جولة المحادثات الأخيرة، التي استمرت لثلاثة أسابيع، لكنهما اعتبرتا أن تعليقها للتشاور لا يعني توقفها بالكامل، وإنما هو “أمر طبيعي” في مسار تفاوض معقد.
وأكد البيان أن الجهود التفاوضية مستمرة بالشراكة مع الولايات المتحدة، داعيًا وسائل الإعلام إلى التزام المهنية وعدم الانسياق وراء التسريبات، التي من شأنها تقويض المساعي الساعية إلى التهدئة.
مقترح الهدنة.. ستين يومًا من القلق
ينص المقترح الحالي لوقف إطلاق النار على هدنة مدتها 60 يومًا، تتخللها عمليات لإطلاق سراح رهائن مقابل سجناء فلسطينيين، والسماح بإدخال مساعدات إنسانية عاجلة. غير أن الخلافات الكبرى ما تزال قائمة، لا سيما حول مدى انسحاب القوات الإسرائيلية، ومصير الوضع الميداني في حال عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بعد الهدنة.
غزة.. كارثة إنسانية تتفاقم
في الوقت الذي يتبادل فيه القادة التصريحات النارية، تستمر الضربات الجوية الإسرائيلية على القطاع. ووفق وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، قُتل ما لا يقل عن 21 شخصاً الجمعة، بينهم خمسة في غارة على مدرسة تُستخدم كمأوى للنازحين.
ومن بين الضحايا، الصحفي الفلسطيني آدم أبو هربيد، الذي قُتل أثناء تغطيته للأحداث، ليكون واحدًا من عشرات الصحفيين الذين سقطوا منذ بدء الحرب. وقال زميله محمود عوضية خلال تشييع جثمانه: “إنهم يستهدفون الصحفيين عن عمد”، وهو ما تنفيه إسرائيل رسميًا.
حرب مستمرة منذ أكتوبر.. والأرقام مفزعة
بدأت الحملة العسكرية الإسرائيلية في السابع من أكتوبر 2023، بعد هجوم مسلحين من حماس على بلدات إسرائيلية، أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، وفق الإحصاءات الإسرائيلية، واحتجاز 251 رهينة.
ومنذ ذلك الحين، تقول وزارة الصحة في غزة إن القوات الإسرائيلية قتلت ما يقرب من 60 ألف فلسطيني، وتسببت في تدمير هائل للبنية التحتية في مختلف مناطق القطاع، إضافة إلى خسائر اقتصادية تُقدَّر بأكثر من 67 مليار دولار.
صراع سياسي يُغذّي المجاعة
في ظل تعثر الحلول السياسية، وغياب الأفق الإنساني، يُترك سكان غزة لمصيرهم القاتم، فالجوع بات العنوان الأبرز في حربٍ لم تبقِ ولم تذر، وحوّلت الحياة اليومية إلى سباق مع الموت. بينما العالم يتفرج، ما زالت غزة تدفع الثمن، وسط وعود بلا تنفيذ، ومفاوضات تائهة بين العواصم.