في خطوة طال انتظارها، صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون الجديد المتعلق بالإيجار القديم، بعد موافقة نهائية من مجلس النواب مطلع يوليو الماضي، وهو ما يمهّد الطريق لتغيير جذري في علاقة المالك بالمستأجر بعد عقود من الجدل والصراع الاجتماعي والقانوني حول هذا الملف الشائك.
وينص القانون رقم 165 لسنة 2025 على تعديل بعض أحكام قانون رقم 4 لسنة 1996، وينتقل بموجبه التعامل مع عقود الإيجار القديمة إلى مظلة القانون المدني، بما يحقق توازناً بين حقوق الملاك الذين عانوا طويلًا من تدني القيمة الإيجارية، وحقوق المستأجرين الذين يخشون التشريد في ظل التغيرات الاقتصادية الحادة.
النشر في الجريدة الرسمية.. بداية التفعيل
مع نشر القانون في الجريدة الرسمية، يدخل حيز التنفيذ ابتداءً من اليوم التالي للنشر، ما يعني أن عقارب الساعة بدأت بالدوران فعلياً نحو العد التنازلي لفترة انتقالية تم تحديدها بسبع سنوات للوحدات السكنية، وخمس سنوات لغير السكنية، وذلك قبل تنفيذ الإخلاء الكامل وعودة الملكية الفعلية للوحدات إلى أصحابها.
ويُلزم القانون المستأجر أو من يحلّ محله، بإخلاء الوحدة في نهاية المدة المحددة بالعقد، وإلا سيكون للمالك الحق في اللجوء إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة المختصة لاستصدار أمر طرد دون الحاجة إلى دعوى قضائية طويلة، مع احتفاظ المالك بحقه في المطالبة بتعويض مادي إن وجد مبرر لذلك.
أهداف القانون.. العدالة بين الطرفين
الهدف الأساسي للقانون يتمثل في تحرير العلاقة الإيجارية بما يضمن الحقوق المتساوية للطرفين، فالقوانين القديمة فرضت على الملاك إيجارات زهيدة مجمدة منذ عشرات السنين، أدت إلى تدهور حالة العقارات وإحجام الملاك عن صيانتها، في مقابل تمسك المستأجرين بحقوق تاريخية في الإقامة.
وتسعى الحكومة من خلال هذه الخطوة إلى إنهاء حالة “التجميد السكني”، وتشجيع الاستثمار العقاري، وإعادة تدوير الثروة العقارية بما يخدم خطة الدولة في تحسين جودة الحياة، وتنشيط السوق العقاري بشكل أكثر عدالة وكفاءة.
فترة انتقالية مرنة.. لكن حاسمة
بحسب القانون، تم منح المستأجرين فترة انتقالية تبدأ من تاريخ التصديق على القانون وتمتد لسبع سنوات للوحدات السكنية، وخمس سنوات لغير السكنية (كالمحال التجارية والمكاتب الإدارية)، لتتيح لهم الوقت الكافي لترتيب أوضاعهم أو البحث عن بدائل.
وخلال هذه الفترة، لا يحق للمالك طرد المستأجر طالما يلتزم بالأجرة المتفق عليها، لكن مع نهاية المدة، يصبح الإخلاء إلزاميًا، وتُلغى بموجب القانون جميع النصوص التشريعية السابقة التي كانت تمنح المستأجرين حق البقاء مدى الحياة.
ردود أفعال متباينة.. قلق شعبي وترحيب من الملاك
رغم أن التعديلات جاءت متدرجة وفي إطار زمني يسمح بالتكيف، إلا أن ردود الأفعال في الشارع المصري كانت متباينة. ففي حين رحب بها الملاك واعتبروها “انتصارًا للعدالة”، عبّر عدد كبير من المستأجرين عن تخوفهم من عدم قدرتهم على تحمل أسعار الإيجار الجديدة بعد انتهاء الفترة الانتقالية، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
واعتبر بعض الحقوقيين أن القانون يجب أن يصاحبه حزمة من الإجراءات الاجتماعية لحماية الفئات الأكثر تضررًا، مثل كبار السن وذوي الدخل المحدود، لضمان ألا تتحول الإصلاحات إلى أزمة إنسانية.
آلية التنفيذ القضائي.. طرد مباشر بأمر وقتي
من أبرز المستجدات في القانون، هو ما نصت عليه “المادة الثانية مكرر”، والتي تعطي المالك أو المؤجر الحق في طلب أمر طرد من قاضي الأمور الوقتية في حال امتناع المستأجر عن الإخلاء بعد انتهاء مدة العقد، دون الحاجة إلى رفع دعوى قضائية مطولة، وهو ما يُعد تبسيطًا للإجراءات القانونية التي كانت تُرهق الطرفين.
لكن في الوقت نفسه، أقر القانون حق المستأجر في الطعن أمام المحكمة في حال وجود نزاع أو تعارض في تفسير مدة العقد أو شروطه، وهو ما يمنح بعض التوازن الإجرائي للطرفين.
من سيطبق القانون عليه؟
القانون ينطبق على الوحدات المؤجرة التي انتهت عقودها، أو تلك التي لم يسبق تأجيرها، أو تم تأجيرها وفقًا لنظام الإيجار القديم، وهو يشمل السكني وغير السكني على حد سواء. ولا يشمل الوحدات المؤجرة في ظل قوانين الإيجار الجديد المعمول بها بعد عام 1996.
كما يخضع القانون للمستأجر الأصلي أو من يحلّ محله من الورثة أو الخلف القانوني، وهو ما يشمل الأبناء أو الأقارب الذين كانوا يقيمون مع المستأجر الأصلي حتى وفاته.
تحديات متوقعة.. هل الدولة مستعدة؟
ورغم وضوح النصوص القانونية، إلا أن التنفيذ الفعلي سيواجه تحديات كثيرة، أبرزها:
النزاعات القضائية حول تحديد نهاية العقد أو إثبات الإقامة الفعلية.
الضغط المجتمعي من قبل المستأجرين الرافضين للإخلاء.
البحث عن حلول بديلة للفئات غير القادرة ماديًا على إيجاد سكن بديل.
وهنا يتطلب الأمر تدخلًا حكوميًا عبر آليات حماية اجتماعية، مثل تخصيص وحدات سكنية بديلة أو تقديم دعم نقدي محدود الدخل، حتى لا يتضرر المواطن البسيط.
ما الذي ينتظر المواطن خلال المرحلة المقبلة؟
من المتوقع أن تبدأ سلسلة من التحركات القانونية ابتداءً من العام المقبل، بعد أن يستوعب المواطنون التعديلات، وتتضح آليات التنفيذ لدى المحاكم. المواطن – سواء كان مالكًا أو مستأجرًا – بحاجة لفهم دقيق لموقعه القانوني، والاستعداد للتفاوض، أو الانتقال، أو رفع الدعاوى إذا لزم الأمر.
كما يُنتظر أن تُصدر وزارة العدل أو الإسكان لوائح تفسيرية أو أدلة إجرائية لتوحيد فهم المحاكم والمواطنين لطبيعة الإخلاء والأحكام المصاحبة له، خاصة مع اتساع عدد الحالات المختلفة من وحدة لأخرى.
قانون الإيجار القديم بعد تصديق الرئيس السيسي يدخل حيز التنفيذ ليضع نهاية لواحدة من أكثر الأزمات الاجتماعية والقانونية تعقيدًا في مصر. وبين من يراه تصحيحًا لمسار تاريخي، ومن يراه تهديدًا اجتماعيًا، يبقى التحدي الحقيقي في حسن تنفيذ القانون بعدالة ومرونة، مع مراعاة البعد الإنساني وتقديم الدعم للفئات الأضعف. فهل تستطيع الدولة تحقيق هذا التوازن في الوقت المناسب؟