في خطاب غير مسبوق من حيث الصراحة والقوة، وجّه البروفيسور جيفري د. ساكس، رسالة مباشرة إلى وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر، ردًّا على خطابه أمام مجلس الأمن الدولي في 5 أغسطس 2025، والذي أثار موجة غضب دولية واسعة. الرسالة التي وُصفت بـ”رسالة القرن” لم تكتفِ بانتقاد خطاب ساعر، بل كشفت بجرأة ما وصفه ساكس بـ”جرائم ضد الإنسانية” ترتكبها الحكومة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
تجاهل الحقائق وطمس الجرائم
ساكس اتهم ساعر بتجاهل السبب الحقيقي وراء غضب العالم، وهو قتل وتجويع الفلسطينيين بشكل ممنهج. وذكّر بأن نحو 18,500 طفل فلسطيني قُتلوا حتى الآن، وفق قائمة نشرتها صحيفة واشنطن بوست، في حين تحمّل إسرائيل المسؤولية كاملة لحركة حماس، رغم أن العالم يشاهد يوميًا جنودًا إسرائيليين يطلقون النار على مدنيين جائعين عند نقاط توزيع الطعام.
كما لفت إلى أن ساعر تحدث عن معاناة 20 أسيرًا إسرائيليًا جائعًا، لكنه تجاهل تجويع مليوني إنسان في غزة. وذكّره بأن رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو دعم على مدى سنوات تمويل حركة حماس، كما وثقت تايمز أوف إسرائيل.
اليهودية ليست جنسية ولا ملكًا لإسرائيل
في فقرة محورية، رفض ساكس ادعاء ساعر بأن إسرائيل هي “دولة الشعب اليهودي”، مؤكدًا:
“أنا يهودي ومواطن أمريكي. إسرائيل ليست دولتي ولن تكون كذلك.”
واعتبر أن الصهيونية حوّلت اليهودية من ديانة وثقافة وأخلاق إلى مشروع قومي سياسي، وهو ما يتناقض مع 2000 عام من التاريخ اليهودي. كما أشار إلى أن الحاخامات في التلمود البابلي نهوا صراحة عن عودة جماعية لليهود إلى القدس، وأن الصهيونية أفرغت مجتمعات يهودية مزدهرة حول العالم عبر الترهيب والإغراءات المالية، مما أدى لزوال تراثها الثقافي.
شهادة من التاريخ
استشهد ساكس بمعارضة الوزير اليهودي البريطاني إدوين مونتاغو لإعلان بلفور عام 1917، الذي حذر من اعتبار اليهود “أمة” وأكد أن ولاءه لوطنه بريطانيا. كما ذكّر بأن نص الإعلان تضمّن التزامًا بعدم المساس بحقوق السكان العرب في فلسطين، وهو وعد أخفق المشروع الصهيوني في الالتزام به.
مشروع الاحتلال الدائم
ساكس اتهم الحكومة الإسرائيلية بالسعي لاحتلال كل فلسطين من البحر إلى النهر، كما ورد في برنامج حزب الليكود منذ 1977، مستخدمة أدوات مثل التجويع، القتل، التطهير العرقي، التعذيب، ومصادرة الأراضي، وشيطنة الفلسطينيين باعتبارهم “إرهابيين”.
الإجماع الدولي ضد إسرائيل
أوضح ساكس أن 147 دولة تعترف بالفعل بدولة فلسطين، وأن 170 دولة في الأمم المتحدة أيدت حق الفلسطينيين في تقرير المصير، بينما لم تعارض سوى ست دول، بينها الولايات المتحدة وإسرائيل. كما أشار إلى أن إعلان نيويورك الصادر في 29 يوليو 2025 عن مؤتمر دولي رفيع المستوى، أكد التزام العالم بحل الدولتين، لكن حكومة إسرائيل رفضته لصالح السيطرة الكاملة.
حلفاء من أجل نهاية العالم
كشف ساكس أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يعتمد إلى حد كبير على الإنجيليين البروتستانت المتطرفين الذين يعتقدون أن تجمع اليهود في فلسطين يمهّد لنهايتهم أو اعتناقهم المسيحية في “آخر الزمان”. وأشار إلى تراجع التأييد الشعبي الأمريكي لإسرائيل إلى 32% فقط مقابل 60% معارضون.
الخلاصة: حل الدولتين أو الزوال
اختتم ساكس رسالته بتحذير واضح:
“الخطر الأكبر على إسرائيل ليس الفلسطينيين أو العرب أو إيران، بل سياسات حكومتها المتطرفة. حل الدولتين هو الطريق الوحيد لبقائها، وإلا فإن القوة العسكرية والنفوذ الأمريكي لن يمنعا سقوط دولة ظالمة.”