تُعد أفلام فترة أواخر الستينيات ومنتصف السبعينيات من القرن العشرين واحدة من أكثر الفترات إثارة للجدل في تاريخ السينما العربية، حيث شهدت ظهور أفلام اتسمت بجرأة غير مسبوقة في المشاهد والموضوعات، لا تزال حتى اليوم تُعتبر “قوية” بل و”مثيرة للجدل” بمعايير العصر الحديث. هذه الأفلام، التي أنتجت في سياق ثقافي واجتماعي فريد، لم تكن مجرد ظاهرة فنية، بل نتاج عوامل اجتماعية، اقتصادية، وثقافية متشابكة.
ميجا نيوز في هذا التقرير، نستعرض الأسباب التي ساهمت في صعود هذا النوع من الأفلام، مستندين إلى تصريحات مخرجين وتحليلات تاريخية.
طموح العالمية: محاولة للمنافسة أم تقليد أعمى؟
كان طموح الوصول إلى “العالمية” أحد أبرز العوامل التي دفعت مخرجين في تلك الفترة لتقديم أفلام تحمل جرأة غير معتادة. في حوار صحفي نُشر عام 2023 مع المخرج اللبناني سمير خوري، مخرج أفلام مثل سيدة الأقمار السوداء وذئاب لا تأكل اللحم، أشار إلى أن هدفه كان تحقيق نقلة نوعية في السينما العربية تجعلها قادرة على منافسة الأفلام العالمية.
لكنه أوضح أن هذا الطموح تركز بشكل كبير على تقديم مشاهد جريئة، دون الاهتمام الكافي بعناصر أساسية أخرى مثل القصة، الإخراج، أو استراتيجيات التسويق. هذا النهج، الذي اعتمده العديد من المخرجين، جاء في محاولة لتقليد الأفلام الغربية التي كانت تتسم بالحرية في تناول الموضوعات الجريئة، لكنه غالبًا افتقر إلى العمق الفني، مما جعل هذه الأفلام تُصنف كـ”تجارية” أكثر من كونها إبداعية.
لبنان: مركز السينما المنفتحة
لعبت بيروت، التي كانت تُلقب بـ”باريس الشرق” في تلك الفترة، دورًا محوريًا في إنتاج هذه الأفلام. بفضل مناخها الثقافي المنفتح نسبيًا مقارنة بباقي الدول العربية، أصبحت لبنان مركزًا جاذبًا لصناعة السينما، حيث استقطبت نجومًا مصريين وعربًا بارزين.
هذا الانفتاح سمح بظهور أفلام تحمل طابعًا جريئًا، مستفيدة من تساهل الرقابة اللبنانية مقارنة بالرقابة الصارمة في مصر ودول الخليج.
أفلام مثل الراقصة والسياسي وغيرها استغلت هذا المناخ لتقديم محتوى يتحدى الأعراف الاجتماعية، مما جعلها محط اهتمام الجمهور العربي المتعطش لمثل هذه التجارب.
السينما: المتنفس الوحيد لجيل الشباب
في سياق السبعينيات، كانت السينما الوسيلة الترفيهية الأولى والأكثر انتشارًا في العالم العربي. لم تكن أجهزة الفيديو متاحة بعد، والتلفزيونات كانت محدودة الانتشار وخاضعة لرقابة صارمة تمنع أي محتوى جريء.
هذا الواقع جعل دور السينما المتنفس الوحيد لجيل الشباب، خاصة الطلاب والمجندين، الذين شكلوا النسبة الأكبر من رواد السينما.
استغل المنتجون هذا الطلب المتزايد، حيث أدركوا أن المشاهد الجريئة والمثيرة قادرة على جذب الجماهير وزيادة الإيرادات.
كانت هذه الأفلام، بما تحمله من إثارة وجرأة، تلبي فضول الشباب وتوفر لهم تجربة بصرية لا مثيل لها في وسائل الإعلام الأخرى.
الرقابة والسوق: توازن هش
على الرغم من الرقابة الصارمة في بعض الدول العربية، كانت هناك مرونة نسبية في بعض الأسواق مثل لبنان، مما سمح بإنتاج هذه الأفلام. المنتجون، بدافع الربح، ركزوا على تقديم محتوى يجذب الجماهير بغض النظر عن القيمة الفنية، مما أدى إلى انتشار أفلام تعتمد بشكل رئيسي على الإثارة على حساب القصة أو الإخراج. هذا التوجه أثار جدلاً واسعًا، حيث اعتبر البعض أن هذه الأفلام تسيء إلى القيم الاجتماعية، بينما رأى آخرون أنها تعكس روح العصر وحرية التعبير.
إرث السبعينيات: بين الجرأة والجدل
رغم الجدل الذي أثارته أفلام تلك الفترة، إلا أنها تركت بصمة لا تُنسى في تاريخ السينما العربية. بعض هذه الأفلام، مثل أعمال سمير خوري، لا تزال تُناقش حتى اليوم لجرأتها وقدرتها على جذب الجماهير.
لكنها في الوقت ذاته كشفت عن تحديات كبيرة واجهتها السينما العربية، من ضعف الإنتاج الفني إلى الاعتماد المفرط على الإثارة لتحقيق النجاح التجاري.