بينما كانت سوريا على أعتاب مرحلة جديدة، عاش سجن صيدنايا، ذلك الرمز المخيف الذي طالما ارتبط بالانتهاكات والقمع، لحظات استثنائية حافلة بالتوتر والدراما. المكان الذي لطالما مثّل الخوف والوحشية، بات في الساعات الأخيرة شاهداً على الانهيار الدراماتيكي لنظامٍ استبدادي امتد لعقود.
فما الذي جرى داخل أسوار السجن الموصدة بإحكام؟ وكيف عاش المعتقلون تلك اللحظات المصيرية بينما كانت قوات المعارضة تقتحم العاصمة دمشق؟
ليل الخوف والترقب
وفق شهادات ناجين، شهدت الليلة الأخيرة قبل اقتحام سجن صيدنايا توتراً استثنائياً. المعتقل السابق سهيل الدقس يروي لـ”أخبار الآن”:
“سمعنا صوت شاحنة ثقيلة تُستخدم لنقل المرضى أو الموتى. ثم مع حلول منتصف الليل، دوّت أصوات إطلاق نار ومضادات جوية من خارج السجن. لم نعرف من يهاجم ومن يُدافع. كان السجن في حالة من الفوضى، والطعام يُقدم بشكل غريب وكأن شيئاً كبيراً يوشك أن يحدث.”
مع اقتراب لحظة الحسم، انسحب معظم الضباط المسؤولين عن السجن، تاركين وراءهم فراغاً أمنياً كبيراً. الحراس المتبقون أغلقوا جميع الأبواب بإحكام، وكأنهم يتهيأون لنهاية محتومة.
لحظات التحرير: مزيج من الفرح والخوف
في الساعات الأخيرة، يقول الدقس:
“اختفى الحراس فجأة. كنا نسمع أصوات قتال وطلقات نارية متقطعة. عند منتصف الليل، بدأنا نسمع صوتاً من الخارج يقول: “افتحوا الأبواب”. عندها أدركنا أن الثوار اقتحموا السجن. كانت اللحظات مشحونة بالخوف والفرح معاً، إذ لم نكن متأكدين مما إذا كان ما يحدث فخاً أو حقيقة.”
يضيف:
“خرجنا لنجد نساء تزغردن فرحاً، وأهالي المعتقلين يرفعون صور أحبائهم. البعض كان بالكاد يستطيع السير، والمرضى كانوا يُساعدون بعضهم. شعرت بمزيج غريب من التحرر والخشية من المفاجآت.”
مشاهد من داخل السجن: القسوة والانتهاكات
خلف الجدران السميكة، عاش المعتقلون أسوأ أنواع القمع. الدقس يصف بداية وصول المعتقل إلى السجن قائلاً:
“يبدأ الاستقبال بالتعذيب باستخدام “الدولاب”، حيث يتعرض المعتقل الجديد لأكثر من 200 جلدة بالكابل. هذا الترحيب الوحشي يعكس قسوة النظام وغياب أي عدالة.”
الأوضاع الصحية للمعتقلين كانت كارثية. المرضى كانوا يُتركون دون علاج، والأدوية التي كانت تُرسلها عائلاتهم غالباً ما تُباع من قبل الحراس. يقول الدقس:
“رأيت معتقلين يموتون بسبب الإهمال الطبي. أحدهم أصيب بورم في الحبال الصوتية، وآخرون ماتوا بسبب السل دون أن يتلقوا أي علاج.”
لحظة الانتصار: سقوط أحد أعتى رموز القمع
في 8 ديسمبر 2024، نجحت قوات المعارضة السورية في اقتحام سجن صيدنايا وتحرير جميع المعتقلين. المشهد كان مهيباً: نساء يزغردن، أهالٍ يحتضنون أبناءهم بعد سنوات من الفقد، ومعتقلون يخرجون إلى الحرية لأول مرة منذ سنوات.
يقع سجن صيدنايا، الذي أُنشئ عام 1987، على بعد 30 كيلومتراً شمال دمشق. بُني ليكون أحد أكثر السجون تحصيناً في سوريا، لكنه تحول إلى رمز عالمي للظلم والانتهاكات.
نهاية حقبة مظلمة
ما جرى في سجن صيدنايا لم يكن مجرد تحرير لمعتقلين، بل إعلاناً لنهاية حقبة من القمع وبدء مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والآمال. تلك اللحظات الأخيرة، بفرحها وخوفها، ستبقى شاهدة على إرادة الحرية وصمود المعتقلين أمام أكثر الأنظمة وحشية في التاريخ الحديث.