خلال الهجمات الصاروخية التي شنتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الأراضي المحتلة ليلة أمس، كانت مصفاة حيفا من بين الأهداف التي استهدفتها الصواريخ الإيرانية.
وأكدت قناة الجزيرة، نقلًا عن مصادر إسرائيلية رسمية، تضرر خطوط الأنابيب والنقل في هذه المصفاة. ونظرًا للمكانة المحورية التي تحتلها مصفاة حيفا في الاقتصاد الإسرائيلي، يبدو أن القوات المسلحة الإيرانية اختارت هذا الهدف ردًا على الهجوم الذي وقع أمس على مصفاة غاز “فجر جم” والمرحلة الرابعة عشرة من مشروع حقل “بارس الجنوبي”.
تعتمد إسرائيل بشكل كبير على واردات الطاقة الأجنبية، إذ تحصل على النفط من مصادر متنوعة مثل جمهورية أذربيجان، وكازاخستان، والغابون. وإلى جانب استيرادها للمنتجات النفطية من الخارج، تعتمد في تلبية جزء كبير من احتياجاتها على وحدتي تكرير تقعان في حيفا وأشدود داخل الأراضي المحتلة.
ووفقًا للإحصاءات الرسمية، تبلغ الطاقة التكريرية الإجمالية في إسرائيل نحو 300 ألف برميل يوميًا، يُعالج منها ما يقارب 197 ألف برميل في مصفاة حيفا الواقعة شمال البلاد، في حين تتولى مصفاة أشدود في الجنوب تكرير الكمية المتبقية.
بشكل عام، تُعد حيفا وأشدود من المحركات الرئيسية للاقتصاد الإسرائيلي، نظرًا لاحتوائهما على ميناءين تجاريين، ومصافي نفط حيوية، ومراكز صناعية مهمة، إلى جانب تمركز عدد من الشركات الكبرى في كل من شمال وجنوب البلاد. وتُعرف حيفا على وجه الخصوص بأنها أشبه بوادي السيليكون الإسرائيلي، نتيجة وجود عدد كبير من شركات التكنولوجيا الأجنبية فيها.
مصفاة حيفا:
في النصف الأول من عام 2025، عملت المصفاة بنسبة 78٪ من طاقتها الإنتاجية، أي ما يعادل نحو 155 ألف برميل يوميًا. وتنتج هذه المصفاة ما بين 60 و65٪ من إجمالي الوقود المستهلك في إسرائيل، كما تعتمد عليها شبكة توزيع الوقود العسكرية والمدنية في تلبية احتياجاتها. وتحديدًا، تنتج مصفاة حيفا نحو 40٪ من البنزين المستخدم في البلاد، و60٪ من وقود الديزل.
وفقًا لتقارير صحفيين استقصائيين نُشرت خلال حرب غزة، تمتلك القوات المسلحة الإسرائيلية عقدًا مباشرًا مع مصفاة حيفا لتلبية احتياجاتها من الوقود. وإلى جانب دورها المحوري في تزويد الجيش، تُعد المصفاة أهم وحدة تكرير في سلسلة التوريد الصناعية داخل الأراضي المحتلة، حيث تسهم بشكل أساسي في تغذية البنية التحتية الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، يتم نقل الوقود منها إلى مجمع الكرمل للأوليفينات — المنتج الوحيد للمواد الخام البلاستيكية في الأراضي المحتلة — عبر خط أنابيب مباشر.
يبدو أن إيران هدفت من خلال الهجوم الأخير إلى إيصال رسالة مدروسة دون الانخراط في حرب شاملة، ولذلك جاء استهداف المصفاة بطريقة محدودة الضرر، لكنها ذات دلالة استراتيجية واضحة للطرف الإسرائيلي. وفي حال تطور المواجهة إلى هجوم إيراني أوسع مستقبلا، فإن تعطيل الإنتاج بالكامل وإخراج مصفاة حيفا من الخدمة قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية حادة لإسرائيل، وذلك على عدة مستويات، من بينها:
1- تعطل منظومة إمداد الوقود العامة، وتوقف تزويد القوات العسكرية بالوقود، مما سيجبر إسرائيل على استيراد كميات كبيرة من الوقود بتكاليف مرتفعة، وفي ظروف لوجستية معقدة خلال زمن الحرب.
2- انقطاع أنشطة الوحدات الصناعية والإنتاجية في حيفا، باعتبارها إحدى القوى الدافعة للاقتصاد الإسرائيلي، وهو اقتصاد يعاني أصلًا من ضغوط كبيرة بفعل الحرب التآكلية المستمرة في غزة ولبنان.
3- ارتفاع مستوى المخاطر الاقتصادية والمالية المرتبطة بالاستثمار والعمل في حيفا، كمركز صناعي وتكنولوجي حيوي داخل الأراضي المحتلة، ما قد يدفع بعض الشركات إلى إعادة النظر في وجودها هناك، أو تعليق أنشطتها مؤقتًا.