في مشهد سيبقى محفورًا في ذاكرة عشاق نادي الزمالك، أعلن محمود عبد الرازق حسن فضل الله، الشهير بـ”شيكابالا”، اعتزاله رسميًا لكرة القدم، منهياً مسيرة كروية حافلة بالإنجازات، والمواقف المؤثرة، والولاء الدائم لقميص “القلعة البيضاء” ، وجاء إعلان شيكابالا مساء يوم الخميس، عبر مقطع فيديو نشره على صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك”، اختار له عنوانًا بسيطًا ومعبّرًا: “وداعًا”. ظهرت فيه مشاعر الامتنان والحزن، حيث قال فيه: “المنحنى الجنوبي رحلة انتهت، ورحلة أخرى ستبدأ من قلب المدرجات”، في إشارة إلى الجماهير التي طالما ساندته، ورافقته في كل مراحل حياته الكروية، والتي تعهّد بالبقاء إلى جوارها كمشجع بعد اعتزاله.
الاعتزال المؤجَّل… احترامًا لـ”شيفو”
وفي تصريحات تلفزيونية لاحقة، كشف شيكابالا أن قرار اعتزاله كان قد اتُخذ منذ فترة، لكنه اختار تأجيل الإعلان حتى ينال زميله وصديقه محمد عبد الشافي لحظة الوداع المستحقة دون تشتيت الأضواء. وقال: “قررت الاعتزال بنهاية الموسم، لكنني فضّلت أن يودع عبد الشافي الجماهير أولًا، فهو من أعظم الشخصيات التي مرت في تاريخ الزمالك”.
هذه الكلمات جاءت انعكاسًا حقيقيًا لشخصية شيكابالا التي عُرفت دومًا بالوفاء والاحترام للآخرين، خاصة زملائه داخل الملعب.
الزمالك يُخلّد الأسطورة
في خطوة رمزية كبيرة تؤكد قيمة اللاعب التاريخية، قرر مجلس إدارة نادي الزمالك، بالتنسيق مع المدير الرياضي جون إدوارد، حجب القميص رقم 10، الذي ارتداه شيكابالا على مدار سنوات طويلة، وذلك بداية من الموسم المقبل.
وأصدر النادي بيانًا رسميًا أكد فيه أن هذه الخطوة تأتي تقديرًا لمسيرة شيكابالا التي لا يمكن اختصارها بالأرقام، بل تُروى كسردية عشق بين اللاعب والنادي، صنع خلالها لحظات ستظل محفورة في وجدان كل زملكاوي.
البداية من الجنوب… والنهاية وسط التصفيق
وُلد محمود عبد الرازق “شيكابالا” في 5 مارس 1986 بمحافظة أسوان، وبدأ مشواره الكروي في ناشئي نادي الزمالك، ليظهر لأول مرة مع الفريق الأول عام 2002 وهو لم يتجاوز 16 عامًا. أذهل الجميع بموهبته وسرعته ومهاراته الاستثنائية، ليصبح أصغر لاعب يرتدي القميص الأبيض في ذلك الوقت.
انتقل بعدها إلى نادي باوك اليوناني في 2005، ليخوض تجربة احترافية قصيرة لكنها مؤثرة، قبل أن يعود سريعًا إلى بيته الزمالك في 2006، لتبدأ المرحلة الأطول والأكثر تأثيرًا في مسيرته.
أرقام وبطولات… ولكن الأهم هو الحب
على مدار أكثر من 20 عامًا، تنقل شيكابالا بين عدة أندية، لكنه لم ينتمِ فعليًا سوى لنادي الزمالك. ففي رحلته الممتدة، لعب لعدة فرق منها باوك اليوناني، الوصل الإماراتي، سبورتنج لشبونة البرتغالي، والإسماعيلي المصري، إلا أن قلبه بقي أبيض دائمًا.
في فترته الثانية مع الزمالك بين عامي 2006 و2014، سجل شيكابالا 34 هدفًا في 112 مباراة، وقاد الفريق للتتويج بكأس مصر مرتين عامي 2008 و2013. كما خاض تجربة إعارة ناجحة مع الوصل الإماراتي سجل خلالها 4 أهداف في 13 مباراة.
عاد شيكابالا مجددًا إلى الزمالك في 2015 بعد تجربة قصيرة في البرتغال، ومنذ ذلك الحين لعب دورًا كبيرًا ليس فقط كلاعب، بل كقائد ملهم داخل وخارج الملعب، وساهم في إعادة الفريق لمنصات التتويج.
البطولات تتحدث
لم تكن مسيرة شيكابالا خالية من التحديات، لكنه دائمًا ما نهض وقاتل من أجل الزمالك. وتُوّج خلال مسيرته بعدد من الألقاب المحلية والقارية مع الفريق، من أبرزها:
الدوري المصري الممتاز: ٣ مرات ٢٠٢١/٢٠٢٠ ، ٢٠٢١ /٢٠٢٢ ، بالإضافة إلى ظهوره في دوري عام ٢٠٠٣ التاريخي مع الأبيض .
كأس مصر: أربع مرات (2008، 2013، 2019، 2021)
كأس السوبر المصري: مرتين
كأس الاتحاد الإفريقي (الكونفدرالية): 2024
كأس السوبر الإفريقي: ثلاث مرات
وبجانب ذلك، حمل شارة القيادة في أصعب الفترات، وكان صوت اللاعبين والمدافع عن حقوقهم داخل النادي.
المنتخب… حضور متقطّع وإنجاز قاري
على الرغم من موهبته الكبيرة، فإن حضور شيكابالا مع المنتخب المصري لم يكن متواصلًا، بسبب بعض الخلافات الفنية مع الأجهزة المختلفة، وعدم ثبات مستواه أحيانًا، إلا أنه استطاع تمثيل الفراعنة في 32 مباراة دولية، وسجل خلالها هدفين، أحدهما في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2017 أمام الكاميرون.
شيكابالا الإنسان… قبل اللاعب
خارج الملعب، عُرف شيكابالا بعلاقته القوية بالجماهير، خاصة رابطة “ألتراس وايت نايتس”، الذين اعتبروه رمزًا وأيقونة لهم. لم تكن علاقته بهم مجرد تشجيع أو تصفيق، بل كانت شراكة وجدانية خالصة. فدائمًا ما كان يتحدث عن انتمائه للجمهور، ويؤكد أن “الزمالك جمهوره”، وأنه يستمد قوته من هتافاتهم.
كما لعب دورًا إنسانيًا واضحًا في دعم القضايا المجتمعية، وحرص دائمًا على التواصل مع الأطفال ومحبي النادي، حتى في أصعب لحظاته الفنية.
وداع… لكن ليس رحيلًا
رغم اعتزال اللعب، إلا أن شيكابالا أكد في رسالته أنه لن يغادر الزمالك أبدًا، بل سيبدأ “رحلة أخرى من قلب المدرجات”، ما يفتح الباب لاحقًا لاحتمالية دخوله المجال الإداري أو الفني داخل القلعة البيضاء، وهو أمر قد يسعد الجماهير التي ترغب في استمرار أيقونتها داخل البيت الأبيض.
ويبدو أن حكاية شيكابالا مع الزمالك لم تُكتب نهايتها بعد، وإنما فُتح فصل جديد فيها، ربما لا يتضمن أهدافًا داخل الشباك، لكنه يحمل تأثيرًا من نوع آخر، يُكتب فيه التاريخ لا بالقدم، بل بالرؤية والخبرة.
شيكابالا ليس مجرد لاعب كرة قدم. هو حالة فريدة في الكرة المصرية، وخصوصًا الزملكاوية. حالة من الانتماء الصادق، والكاريزما، والمواقف الصلبة، والتحدي المستمر للظروف. حين نذكر “الأسطورة”، فلا بد أن يكون لشيكابالا مكانه في الصف الأول، بين من أحبوا القميص الأبيض وأخلصوا له بكل جوارحهم.
وداعًا شيكابالا من الملاعب… ولكن أهلاً بك أسطورة خالدة في وجدان الجماهير إلى الأبد.