في تطور لافت يعكس سخونة المشهد الإقليمي وتشابك المصالح الدولية، اختتم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، اجتماعًا مهمًا داخل البيت الأبيض استمر نحو ساعة ونصف، وشكل محطة رئيسية في مسار العلاقات الأميركية الإسرائيلية المتجددة منذ عودة ترامب إلى سدة الحكم ، ورغم التعتيم الإعلامي الجزئي على تفاصيل اللقاء، إلا أن مصادر دبلوماسية مطلعة أكدت أن محور الحديث كان ملف قطاع غزة، إلى جانب مناقشات معمّقة بشأن مستقبل النفوذ الإيراني في المنطقة، وسبل التعامل مع المفاوضات الجارية مع حركة حماس في الدوحة.
اللقاء، الذي وصفته أوساط سياسية بأنه “استراتيجي لكنه مشوب بالحذر”، كشف عن وجود تباينات واضحة في الرؤى بين الجانبين، خاصة في ما يخص أهداف كل طرف من الأزمة، وإن اتفقا ظاهريًا على أهمية التنسيق الأمني، والدفع نحو تسوية تضمن “استقرارًا مشروطًا” لا يهدد مصالح أي من الحليفين.
تباينات في الرؤية.. وحدة في المصالح
بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة، فإن أبرز نقاط الخلاف بين ترامب ونتنياهو تمثلت في الأهداف النهائية للتعامل مع غزة وإيران والشرق الأوسط عمومًا.
فبينما تبدي الإدارة الأميركية ميلًا لحل “قابل للتسويق دوليًا”، يركز على التهدئة وتحسين الظروف الإنسانية في غزة، يبدو أن نتنياهو يتمسك بمقاربة أكثر تشددًا، تضمن لإسرائيل استمرار الهيمنة الأمنية وتفادي قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة.
وبينما تحاول واشنطن ضبط إيقاع الأزمة بطريقة لا تؤدي لانفجار شامل، تعمل تل أبيب على إعادة رسم الخريطة السياسية في القطاع بما يخدم رؤيتها طويلة الأمد، حتى ولو أدى ذلك إلى اصطدام بالرأي العام الدولي أو ببعض الشركاء.
نقطة توافق: المساعدات الإنسانية إلى غزة
ورغم الخلافات السياسية، إلا أن الاجتماع شهد توافقًا مهمًا حول آلية دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ضمن إطار اتفاق شامل قيد النقاش بين الأطراف الإقليمية والدولية.
ووفقًا للمصادر، فقد اتفق الجانبان على أن المدخل الإنساني يجب أن يكون الأولوية، وذلك لتخفيف حدة التوتر على الأرض، وفتح المجال أمام حلول أكثر استقرارًا على المدى الطويل.
هذا التوافق يُعد حجر زاوية في أي تسوية مقبلة، خصوصًا وأن الوضع الإنساني في القطاع بات لا يحتمل المزيد من التدهور، في ظل الحصار، وتدمير البنية التحتية، ونقص الموارد.
إعادة انتشار القوات الإسرائيلية داخل غزة؟
في السياق ذاته، كشفت مصادر استخباراتية أن هناك مشاورات جادة تجري حاليًا حول إعادة انتشار القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة، بهدف إعادة هيكلة الواقع الأمني وفق معادلة جديدة تضمن لإسرائيل السيطرة دون الوجود الكثيف.
ويشمل هذا التوجه إمكانية إنشاء مناطق عازلة، أو ممرات إنسانية مراقبة دوليًا، في إطار تفاهمات أمنية قد تتطلب تدخل أطراف ثالثة للضمان والتنفيذ، على غرار الأمم المتحدة أو بعض الدول العربية.
زيارة ثالثة لنتنياهو إلى واشنطن: رسائل واضحة
الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى العاصمة الأميركية تُعد الثالثة منذ عودة ترامب إلى الحكم، ما يعكس قوة التنسيق بين الطرفين، لكنه أيضًا يكشف حجم التوتر المتصاعد في الملفات العالقة، وعلى رأسها غزة وإيران.
خلال زيارته، أعاد نتنياهو تأكيد رفضه الصريح لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، مشددًا على أن “إسرائيل ستحتفظ دائمًا بالسيطرة الأمنية على قطاع غزة”، وهي رسالة تتجاوز الداخل الإسرائيلي لتصل إلى العواصم المعنية بأي ترتيبات إقليمية مستقبلية.
في الدوحة.. مفاوضات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل
بالتوازي مع التحركات السياسية في واشنطن، شهدت الدوحة مساء الأحد انطلاق جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل، في محاولة للتوصل إلى اتفاق طويل الأمد لوقف إطلاق النار.
المفاوضات تجري تحت رعاية قطرية، ومصرية، وأميركية، وسط أجواء توصف بأنها “حاسمة”، بعد أن قدم المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف خطة جديدة للطرفين، تتضمن ترتيبات أمنية واقتصادية وإنسانية.
خطة ويتكوف.. حل ثلاثي المراحل
تستند خطة ويتكوف إلى مقاربة تدريجية تشمل ثلاث مراحل رئيسية:
1. وقف إطلاق نار شامل ومتبادل بين الطرفين.
2. فتح ممرات إنسانية وإعادة الإعمار بإشراف دولي، خصوصًا في شمال القطاع.
3. إيجاد آلية رقابة دولية تضمن تنفيذ الاتفاق ومنع خروقات مستقبلية.
لكن تبقى الخطة أمام تحديات كثيرة، أبرزها غياب الثقة المتبادلة، ورفض إسرائيل التخلي عن أمنها الأحادي، وانقسام الساحة الفلسطينية بين حماس والسلطة.
إيران حاضرة بقوة في خلفية المشهد
الاجتماع لم يخلُ من الحديث عن التهديد الإيراني، الذي وصفه نتنياهو بأنه “الخطر الوجودي الأكبر”، حيث عبّر عن قلقه من التباطؤ الأميركي في التصعيد ضد طهران، خصوصًا بعد تجدد النشاط النووي الإيراني، وازدياد النفوذ الإيراني في كل من سوريا ولبنان.
ورغم تطمينات ترامب بأن “كل الخيارات على الطاولة”، إلا أن نتنياهو لا يزال يرى أن السياسة الأميركية “متساهلة أكثر مما ينبغي”، ما قد يفتح الباب لمزيد من العمليات الإسرائيلية المنفردة ضد الأذرع الإيرانية في المنطقة.
نحو مشهد إقليمي معقّد ومفتوح
تكشف التطورات الأخيرة عن واقع سياسي شديد التعقيد في الشرق الأوسط، حيث تتقاطع التحالفات التقليدية مع المصالح الجديدة، وتتصادم الرؤى السياسية مع المتغيرات الميدانية.
فالولايات المتحدة تسعى لإعادة ترتيب الملفات دون الدخول في مغامرات عسكرية مكلفة، بينما تعمل إسرائيل على فرض وقائع ميدانية جديدة تخدم رؤيتها للأمن والحدود والسيادة.
وفي الوقت ذاته، تبقى المفاوضات في الدوحة هي الأمل الأخير لتحقيق تهدئة قابلة للصمود، شريطة أن يتحقق توازن دقيق بين الأمن والسياسة والإنسانية.