في موقف حاسم يعكس التزام نقابة الصحفيين المصرية بمواقفها الثابتة تجاه القضايا القومية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، أعلن خالد البلشي، نقيب الصحفيين، رفضه القاطع لما وصفه بـ”الجريمة المهنية والإنسانية” التي ارتكبها الإعلامي عماد الدين أديب، بعد ظهوره في حوار تلفزيوني مع يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلي السابق وزعيم المعارضة الحالي، عبر إحدى القنوات العربية ، البلشي لم يكتفِ بالإدانة الأخلاقية، بل استند إلى موقف قانوني ونقابي راسخ، حين ذكّر بأن عماد الدين أديب تم شطبه من جداول النقابة في سبتمبر 2020، بعد قرار هيئة التأديب الابتدائية نتيجة مخالفات مهنية جسيمة ارتكبها خلال إدارته لمؤسسة “العالم اليوم”. ورغم مرور قرابة خمس سنوات على هذا القرار، إلا أن الواقعة أعادت فتح ملف التطبيع الإعلامي، وحدود المهنية، وواجبات العضو النقابي في الدفاع عن القضايا القومية.
الموقف النقابي من التطبيع: ثابت لا يتغيّر
منذ سنوات طويلة، تتبنى نقابة الصحفيين المصرية موقفًا واضحًا يرفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، سواء على المستوى المهني أو النقابي أو الشخصي. وقد كرّست الجمعية العمومية هذا الموقف في قراراتها المتعاقبة، بدءًا من مقاطعة الوفود الإسرائيلية، مرورًا بعدم السماح بإجراء حوارات مع ممثلي الاحتلال، وصولًا إلى التهديد بالإحالة إلى التحقيق النقابي لأي عضو يخالف هذه السياسات.
هذا الموقف لا ينبع فقط من العاطفة، بل من إيمان مهني بأن الصحافة ليست حيادية تجاه الاحتلال والظلم، وأن الصحفي الذي يروّج لرواية العدو أو يوفّر له منصة دعائية، يتورّط – من حيث يدري أو لا يدري – في تبرير جرائمه.
ولهذا قال البلشي بوضوح في بيانه:
“أؤكد موقف نقابة الصحفيين الثابت برفض أي شكل من أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني. وهو موقف الجمعية العمومية الراسخ”.
حوار أديب مع لابيد: سقطة مهنية أم استفزاز متعمد؟
أثار الحوار الذي أجراه عماد الدين أديب مع لابيد عبر شاشة قناة “النهار” الإماراتية، موجة غضب عارمة بين الصحفيين المصريين والعرب، لا سيما أن اللقاء جاء في توقيت حسّاس، تشهد فيه غزة واحدة من أعنف الهجمات الإسرائيلية، والتي أودت بحياة آلاف المدنيين، بينهم أطفال ونساء، وشهدت ارتكاب جرائم إبادة وتطهير عرقي.
ولم يكن الحوار مجرد استضافة لشخصية سياسية مثيرة للجدل، بل اعتبره مراقبون منصة تطبيع صريحة، حيث أُتيح للابيد تسويق الرواية الإسرائيلية، دون رد أو تفنيد حقيقي، بل مع تركيز على ما وصفه بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وهي العبارة التي يستخدمها الاحتلال دوماً لتبرير عمليات القصف والتدمير.
في هذا السياق، وصف البلشي اللقاء بأنه:
“وفّر منصة لتبرير جرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال وجرائمه في المنطقة”.
خلفيات شطب أديب من النقابة: فصل تعسفي وإغلاق ملفات تأمينية
في خضم الغضب من موقف عماد أديب، أعاد نقيب الصحفيين التذكير بأن الشخص المذكور لم يعد عضواً في النقابة منذ خمس سنوات. ففي سبتمبر 2020، أصدرت هيئة التأديب الابتدائية قرارًا بشطبه نهائيًا، بسبب فصل عشرات الزملاء في جريدة “العالم اليوم” بشكل تعسفي، بالإضافة إلى ارتكاب مخالفات قانونية تمثلت في إغلاق ملفاتهم التأمينية بأثر رجعي منذ عام 2014، وهو ما يُعد انتهاكًا لحقوقهم المهنية والإنسانية.
هذا القرار جاء بعد معركة قانونية طويلة خاضها الصحفيون المتضررون، وأسهمت فيها النقابة بدورها، دفاعًا عن حقوق أعضائها. ويؤكد البلشي أن هذا التاريخ يُفقد أديب الحق في الحديث باسم الصحافة المصرية، أو الترويج لأفكاره باعتباره إعلاميًا مصريًا تحت مظلة النقابة.
وقال النقيب:
“النقابة ما كانت لتتوانى عن معاقبته فورًا لو كان لا يزال عضوًا بها”.
دعوة للوحدة النقابية والتمسك بقرارات الجمعية العمومية ..
في نهاية البيان، لم يكتفِ البلشي بالتنديد بالفعل الفردي، بل حرص على توجيه رسالة إلى كل الصحفيين، دعاهم فيها للتمسك بقرارات الجمعية العمومية للنقابة، وعدم الانجرار وراء ما سماه بـ”التطبيع الناعم” أو “تحت مسمى الحوار والانفتاح الإعلامي”.
وقال النقيب: “أدعو جميع الزملاء الصحفيين إلى الالتزام بقرار الجمعية العمومية. وأشدد على أن أي عضو يخالف القرار سيتم إحالته للتحقيق النقابي فورًا”.
تطبيع إعلامي ناعم: من المسؤول؟
تطرح هذه الأزمة أسئلة أعمق من مجرد حوار عابر. فمنذ سنوات، ظهرت محاولات لاختراق الرأي العام العربي عبر وسائل الإعلام، من خلال تقديم الشخصيات الإسرائيلية كـ”ضيوف خبراء” أو “محللين سياسيين”، في قنوات ناطقة بالعربية.
وتحت شعار “عرض وجهة النظر الأخرى”، يتم الترويج لأجندة العدو وتبييض صورته، دون أن يكون هناك توازن أو كشف للحقائق. وهذا ما حذرت منه نقابات الصحفيين مرارًا، مشددة على أن الإعلام ليس ساحة “تبادل آراء” عندما يتعلق الأمر بجرائم حرب وقتل أطفال.
الصحافة والتطبيع: خط أحمر
من المهم التذكير بأن دور الصحافة لا ينفصل عن الموقف الوطني والإنساني. والصحفي لا يمكن أن يكون محايدًا بين الضحية والجلاد، خاصة عندما يكون الجلاد هو احتلال عنصري دموي، والضحية شعب يُقتل تحت القصف يوميًا.
ولهذا كان رد الفعل النقابي قويًا وواضحًا، لا يسعى لمجاملة أو مواربة، بل يضع الأمور في نصابها. فالحوار مع الاحتلال في الإعلام العربي ليس حرية رأي، بل انحياز فج وعدوان على الذاكرة والضمير.