في خطوة قد تعيد رسم ملامح التوازن العسكري في الشرق الأوسط، كشفت القناة 14 الإسرائيلية، يوم الأربعاء، عن مشروع قانون أميركي جديد مشترك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، من شأنه أن يفتح الباب أمام تزويد إسرائيل بأسلحة أميركية شديدة التطور، تشمل قاذفات “الشبح” B-2، وقنابل خارقة للتحصينات من طراز GBU-57، وذلك لأول مرة في تاريخ العلاقات الدفاعية بين واشنطن وتل أبيب.

ووصفت القناة الخطوة بأنها “غير مسبوقة”، مشيرة إلى أن مثل هذه الأسلحة لم تُنقل من قبل إلى أي دولة أجنبية، نظراً لطابعها الاستراتيجي ومكانتها الخاصة ضمن الترسانة العسكرية الأميركية، المصممة لاستخدامات تتعلق بأعلى درجات السرية والردع النووي.

قاذفات “الشبح” وقنابل خارقة للتحصينات

وتُعد القاذفة B-2 “سبيريت”، إحدى أكثر الطائرات الحربية تطورًا في العالم، حيث تتميز بقدرتها على التخفي من الرادارات، والقيام بمهام اختراق دفاعات العدو الجوية، وتنفيذ ضربات دقيقة في عمق أراضي الخصم، حتى في ظل وجود أنظمة دفاع متقدمة. وتبلغ تكلفة الطائرة الواحدة حوالي 2 مليار دولار، ما يجعلها واحدة من أغلى الأسلحة في التاريخ العسكري.

أما قنابل GBU-57 المعروفة باسم “مارد الجحيم” (Massive Ordnance Penetrator)، فهي من أقوى الذخائر الخارقة للتحصينات في الترسانة الأميركية، إذ يبلغ وزنها 14 طناً، وصُممت خصيصًا لتدمير المنشآت النووية أو مراكز القيادة العسكرية المحصنة في عمق الأرض.

ووفقًا لما كشفته القناة 14، فإن مشروع القانون المطروح في الكونغرس لا يذكر صراحة اسم القاذفة B-2 أو القنبلة GBU-57، لكنه لا يضع قيودًا على نوعية أنظمة الأسلحة التي يمكن تضمينها في إطار الدعم الأميركي لإسرائيل، مما يفتح المجال أمام إمكانية نقل هذه الأنظمة، إذا قررت الإدارة الأميركية المضي في هذا الاتجاه.

خلفية الخطوة الأميركية

وجاء مشروع القانون وسط تصاعد التوترات الإقليمية بشأن البرنامج النووي الإيراني، وصدور تقارير استخباراتية حديثة تتحدث عن نشاط متزايد في المنشآت النووية الإيرانية المدفونة تحت الأرض، مثل منشأة “فوردو” الواقعة في عمق الجبال، والتي يصعب استهدافها عبر القنابل التقليدية.

ويهدف المشروع، الذي يقوده النائبان مايك لولر (جمهوري) وجوش غوتهايمر (ديمقراطي)، إلى “ضمان ألا تتحول إيران إلى قوة نووية”، بحسب ما جاء في نص القانون.

وأكد النائبان أن “إسرائيل هي أقرب حليف عسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويجب أن تكون مستعدة للتصرف باستقلالية كاملة في حال تجاوزت إيران الخطوط الحمراء مجددًا”. وشددا على أن “من الضروري أن تملك إسرائيل الوسائل الكافية لتوجيه ضربات دقيقة وقوية لمنشآت نووية محصنة، دون الاعتماد الكامل على الدعم الأميركي المباشر”.

بنود مشروع القانون

وينص مشروع القانون المقترح على أن “يُفوَّض رئيس الولايات المتحدة بتقديم أي معدات أو دعم أو تدريب أو موارد لازمة للحفاظ على وضع إيران كدولة غير نووية”، مشيرًا إلى أن ذلك يشمل أنظمة الأسلحة “المخصصة حاليًا فقط للاستخدام الأميركي”.

ولفتت مصادر في الكونغرس إلى أن اللغة المفتوحة في القانون تتيح للإدارة الأميركية – الحالية أو المستقبلية – خيار تزويد إسرائيل بأسلحة استراتيجية متقدمة دون الحاجة إلى تعديل قانوني إضافي، ما يمنح مرونة أكبر في التعامل مع المستجدات الأمنية في الشرق الأوسط.

وتحدثت القناة 14 الإسرائيلية عن أن هذا المقترح يُعتبر بمثابة تحوّل في التفكير الأميركي بشأن مستوى الأسلحة التي يمكن تسليمها لحلفاء واشنطن خارج الناتو، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية المتزايدة من جانب إيران، وتباطؤ الجهود الدبلوماسية لإعادة إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015.

التداعيات الإقليمية

في حال تم تمرير هذا القانون وتفعيل بنوده، فإن ذلك قد يفتح فصلًا جديدًا في العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويعزز من قدرة تل أبيب على تنفيذ ضربات وقائية ضد البرنامج النووي الإيراني، حتى دون مشاركة أميركية مباشرة.

ومن شأن هذه الخطوة أن تثير مخاوف طهران، التي سبق أن حذرت مرارًا من أن أي هجوم على منشآتها النووية سيُواجه بردٍّ “ساحق”، وفق تعبير المسؤولين الإيرانيين. كما قد تدفع دولاً أخرى في المنطقة، مثل السعودية وتركيا، إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية والأمنية، في ظل ما تعتبره “انحيازًا أميركيًا متزايدًا” لإسرائيل.

هل تصبح إسرائيل الدولة الأجنبية الأولى التي تحصل على قاذفات B-2؟

حتى الآن، لم تقم الولايات المتحدة ببيع أو نقل قاذفات B-2 أو قنابل GBU-57 لأي دولة في العالم، بسبب طبيعتها الاستراتيجية الشديدة الحساسية. وإذا تم تمرير هذا القانون وتفعيل الخيارات الواردة فيه، فإن إسرائيل ستكون أول دولة غير أميركية تحصل على هذه القدرات، ما يعكس مستوى الثقة العسكري غير المسبوق بين واشنطن وتل أبيب.

ويرى مراقبون أن إدراج مثل هذه الأسلحة ضمن إطار المساعدات الأميركية لإسرائيل يبعث برسائل متعددة، أولها إلى إيران بأن الخيار العسكري ما زال مطروحًا بقوة، وثانيها إلى الداخل الإسرائيلي بأن واشنطن ما زالت ملتزمة بأمن إسرائيل في مواجهة التهديدات الوجودية، وثالثها إلى الحلفاء الآخرين في المنطقة بأن التفوق النوعي لإسرائيل سيبقى أحد ركائز الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.

مستقبل المشروع

حتى الآن، لا يزال المشروع في مراحله الأولى داخل الكونغرس، وسيخضع لمناقشات مطولة داخل لجان العلاقات الخارجية والدفاع، قبل التصويت عليه من قبل المجلسين. وإذا حصل على الأغلبية المطلوبة، سيكون على الرئيس الأميركي توقيعه ليصبح قانونًا نافذًا.

ورغم أن توقيت المشروع يتزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعودة اسم دونالد ترامب إلى المشهد السياسي، فإن اللافت في نص مشروع القانون هو استخدامه صيغة “يُفوَّض الرئيس دونالد ترامب”، ما قد يثير جدلاً قانونيًا بشأن نية بعض المشرّعين تمرير القانون ليكون ساريًا فور تولي ترامب الحكم مجددًا، إذا فاز بالانتخابات المقبلة.

في جميع الأحوال، فإن مشروع القانون يُعد إشارة واضحة إلى أن واشنطن تستعد لكل السيناريوهات الممكنة في حال فشلت الجهود السياسية لكبح الطموحات النووية الإيرانية، وأن خيار “القوة الخشنة” ما زال على الطاولة – وربما أقرب إلى التنفيذ من أي وقت مضى.