في ظل تصاعد التوترات بين كندا والولايات المتحدة، بدأ الكنديون يطرحون تساؤلات جادة لم تكن تخطر ببالهم من قبل: ماذا سيحدث إذا شنت الولايات المتحدة هجومًا عسكريًا على كندا؟ هذا السؤال، الذي يبدو غريبًا في سياق العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين، أصبح محط نقاش في مدينة ويندسور الكندية، الواقعة على الحدود مع مدينة ديترويت الأمريكية.
تصاعد التوترات وتحدي العلاقات التاريخية
تتمتع ويندسور وديترويت بعلاقات ودية تمتد لأكثر من قرن، يتجسد رمزها في جسر أمباسادور الذي يربط بينهما، والذي يشهد تدفق سلع بقيمة 340 مليون دولار يوميًا، أي ما يزيد عن ربع التبادل التجاري بين البلدين.
لكن التهديدات الأخيرة من الإدارة الأمريكية الجديدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، والتي تضمنت تلميحات بضم كندا كـ”الولاية الـ51″، أثارت قلقًا غير مسبوق بين الكنديين.
درو ديلكنز، عمدة ويندسور، أعرب عن أمله في أن يتضامن حلفاء كندا الدوليون لدعمها في حال تفاقم الأزمة. ورغم التفوق العسكري الأمريكي، يرى ديلكنز أن الدعم الدولي قد يكون حاسمًا في أي مواجهة محتملة.
حرب تجارية وتداعيات اقتصادية
أطلق الرئيس ترامب حربًا تجارية ضد كندا ودول أخرى، تشمل فرض رسوم جمركية وتشديد القيود التجارية.
هذه السياسات تهدد آلاف الوظائف في منطقة البحيرات العظمى، حيث تقع ويندسور في مقاطعة أونتاريو مقابل ولاية ميشيغان الأمريكية.
مصنع “ستيلانتيس” في ويندسور، الذي ينتج سيارات كرايسلر، يُعد مثالًا واضحًا للتكامل الاقتصادي بين البلدين، لكنه يواجه الآن مخاطر الاضطرابات التجارية.
أحد عمال المصنع، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، عبّر عن إحباطه قائلًا: “نناقش النزاعات الجمركية، لكن لا شيء بوسعنا فعله. القرارات تُتخذ هناك”، مشيرًا إلى الولايات المتحدة. هذا الشعور بالعجز يعكس حالة القلق المتزايدة بين العمال الكنديين.
انقسامات اجتماعية على جانبي الحدود
على المستوى الاجتماعي، بدأت العلاقات الودية بين سكان ويندسور وديترويت تشهد توترات غير مسبوقة. تقول ماي هيرمز، صاحبة مطعم “توست” في ويندسور: “الانقسامات أصبحت واضحة.
الكنديون يرفعون أعلامهم بفخر ووحدة لم نشهدها من قبل، بينما تُقاطع المتاجر الكندية المنتجات الأمريكية.” هذا التحول يعكس حالة من التحدي والتماسك الوطني في مواجهة الضغوط الخارجية.
على الجانب الأمريكي، يشعر البعض بالإحراج من تصريحات قادتهم. موظف في شركة تأجير سيارات بمطار ديترويت قال: “أصبحنا أضحوكة عالميًا. قد يتوقف السياح عن زيارتنا، وهذا سيؤثر على وظائفنا.” هذه الآراء تُبرز الانقسامات الناشئة حتى داخل المجتمعات الأمريكية.
محاولات التفاوض وسط تصريحات الضم
رغم التوترات، تسعى كندا والولايات المتحدة إلى حل الخلافات عبر التفاوض. لكن تصريحات ترامب المتكررة حول ضم كندا جعلت الكثيرين ينظرون إلى هذه الفكرة بجدية أكبر، بدلاً من اعتبارها مجرد مزحة. هذا التحول في التصورات أثار مخاوف بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل الاعتماد المتبادل اقتصاديًا وسياسيًا.
تواجه كندا اليوم تحديًا غير مسبوق في علاقتها مع جارتها الجنوبية، حيث أثارت التهديدات الأمريكية بالضم والحرب التجارية قلقًا عميقًا بين الكنديين.
في ويندسور، المدينة الحدودية الرمزية، يعيش السكان حالة من عدم اليقين، بينما يتزايد الشعور بالوحدة الوطنية. في المقابل، تظهر بوادر انقسامات اجتماعية على جانبي الحدود، مع مخاوف من تداعيات اقتصادية وخسارة الوظائف.
وسط هذه الأزمة، يبقى الأمل معلقًا على الدبلوماسية والدعم الدولي للحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين البلدين الجارين.