في تطور خطير يشير إلى تغير في ميزان الردع العسكري في الشرق الأوسط، كشفت صحيفة “التلغراف” البريطانية، استنادًا إلى تحليل بيانات رادارية عبر الأقمار الصناعية، أن إيران نجحت في استهداف خمس منشآت عسكرية حساسة داخل إسرائيل، خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا. هذا الكشف يأتي بعد تتبّع دقيق لتأثير الضربات على الأرض من خلال صور أقمار صناعية تم تحليلها بواسطة خبراء أميركيين في جامعة ولاية أوريغون، المتخصصين في مراقبة آثار التفجيرات باستخدام تقنية الرادار الفضائي.
وبحسب التقرير، فإن الضربات الإيرانية لم تكن عشوائية، بل استهدفت منشآت حيوية تشمل قاعدة جوية استراتيجية، ومركزًا للاستخبارات العسكرية، ومنشأة لوجستية في الشمال والجنوب والوسط الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي، وعلى رأسها “القبة الحديدية”، تعمل بكفاءة عالية، فإن التحليل أظهر أن نحو 16% من الصواريخ الإيرانية نجحت في اختراق الطبقات الدفاعية والوصول إلى أهدافها، رغم الدعم الأميركي المتمثل في منظومات “ثاد” المتطورة.
المثير في الأمر أن إسرائيل لم تصدر أي بيان رسمي حول هذه الضربات، ما يثير تساؤلات عن مدى فعالية منظومتها الدفاعية، وقدرتها على التعامل مع هجمات مماثلة مستقبلًا. القوانين الصارمة للرقابة العسكرية في إسرائيل تمنع وسائل الإعلام المحلية من الحديث عن تلك الهجمات، وهو ما يجعل من التقارير الدولية مصدرًا مهمًا لفهم حقيقة ما جرى. ورغم رفض الجيش الإسرائيلي التعليق بشكل مباشر، إلا أن مصادر رسمية اكتفت بالإشارة إلى أن “الوحدات واصلت العمل دون توقف طوال فترة العملية”، دون تقديم تفاصيل إضافية.
بيانات الأقمار الصناعية تكشف ما لم يُعلن
وفقًا للخبراء الأميركيين، فإن تحليل صور الأقمار الصناعية باستخدام تقنية الرادار يمكنه كشف التغيرات في سطح الأرض بدقة، حتى دون الحاجة لدخول المنطقة فعليًا. وبهذه الطريقة، تم رصد مواقع الانفجارات ومقارنتها بصور سابقة للحرب، ما أكد أن منشآت عسكرية إسرائيلية تلقت ضربات مباشرة من ستة صواريخ إيرانية. وتعد هذه البيانات جزءًا من اتجاه جديد في رصد النزاعات المسلحة باستخدام التكنولوجيا المفتوحة.
مواقع الضربات: أهداف حساسة في عمق إسرائيل
توزعت الضربات التي تم تحديدها بين الشمال والجنوب والوسط، في مناطق تضم منشآت تعتبر العمود الفقري للجيش الإسرائيلي. من أبرز المواقع المستهدفة:
قاعدة جوية رئيسية تمثل مركزًا للعمليات الجوية
مركز استخبارات عسكرية مسؤول عن جمع وتحليل المعلومات
منشأة لوجستية تُستخدم في تجهيز المعدات والدعم التقني
هذه المواقع تُظهر أن إيران سعت لتوجيه رسائل استراتيجية واضحة، وليس فقط تنفيذ قصف عشوائي، وهو ما يرفع من مستوى الخطورة في أي مواجهة مستقبلية.
أداء الدفاعات الجوية تحت المجهر
تشير البيانات إلى أن نحو 16% من الصواريخ الإيرانية اخترقت الدفاعات، وهو ما يُعد رقمًا كبيرًا بالنظر إلى حجم المنظومة الدفاعية. الجيش الإسرائيلي كان قد أعلن سابقًا أن كفاءة القبة الحديدية وباقي الأنظمة تصل إلى 87%، لكن الأرقام الجديدة تُظهر أن مستوى الحماية لم يكن متكاملًا. هذا يتطلب إعادة تقييم شاملة للجاهزية الدفاعية، خاصة في ظل إمكانية تطوير إيران لصواريخ أكثر تطورًا في المستقبل.
لماذا تزايدت نسب اختراق الصواريخ؟
يرى المحللون أن أسباب اختراق الصواريخ الإيرانية متعددة، منها:
تقنين استخدام صواريخ الاعتراض خوفًا من نفادها
تحسين إيران لتكتيكات الإطلاق مثل الإغراق الصاروخي
استخدام طرازات جديدة أكثر دقة ومناورة
هذه العوامل مجتمعة جعلت أنظمة الدفاع تعاني من الحرب، وهو ما يكشف عن خلل محتمل في الاستجابة المستمرة.
ثلاث طبقات دفاع إسرائيلية… لم تكن كافية؟
يعتمد الدفاع الإسرائيلي على نظام “متعدد الطبقات”، يشمل:
القبة الحديدية: لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى
مقلاع داود: للصواريخ المتوسطة والطائرات بدون طيار
حيتس (Arrow): للصواريخ الباليستية بعيدة المدى
ورغم هذا التنوع، فإن الحرب الأخيرة أظهرت وجود ثغرات، خصوصًا مع تزايد عدد الهجمات وتنوع مصادر التهديد. وهذا ما يدفع لتساؤل: هل تحتاج إسرائيل لتحديث المنظومة أم لإعادة التفكير في استراتيجيتها الدفاعية بالكامل؟
الدعم الأميركي: صواريخ “ثاد” في الخط الأمامي
خلال الحرب، نشرت الولايات المتحدة منظومتين من “ثاد” في المنطقة، وأطلقت على الأقل 36 صاروخًا اعتراضيًا بتكلفة تصل إلى 12 مليون دولار للصاروخ الواحد. كما استخدمت السفن الأميركية في البحر الأحمر منصاتها الدفاعية لدعم الدفاع الجوي الإسرائيلي. هذه المشاركة تؤكد حجم التحدي الذي واجهته إسرائيل، والحاجة إلى دعم خارجي حتى تتمكن من مواجهة الهجمات الإيرانية المكثفة.
الصمت الإسرائيلي والرقابة العسكرية
رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على تقارير الضربات أو مدى كفاءة الدفاعات الجوية، واكتفى ببيان مقتضب. ويرجع هذا إلى القوانين الصارمة التي تمنع نشر معلومات حساسة عسكريًا داخل إسرائيل. في المقابل، أصبحت وسائل الإعلام الدولية، ومعها صور الأقمار الصناعية، المصدر الأساسي لفهم حقيقة ما جرى، بعيدًا عن الرواية الرسمية.
هل يتغير ميزان الردع في المنطقة؟
ما تكشفه هذه الحرب يتجاوز مجرد تبادل للصواريخ. إن القدرة الإيرانية على إصابة منشآت عسكرية إسرائيلية، رغم كل أنظمة الدفاع والدعم الأميركي، يشير إلى تحول جذري في قواعد اللعبة. ومع استمرار تطوير القدرات الصاروخية من جانب طهران، يبدو أن ميزان الردع في الشرق الأوسط على موعد مع إعادة تشكيل، قد تُعيد حسابات أطراف عديدة في المنطقة.