في لحظة تاريخية هزت حفل الأوسكار عام 1978، وقفت الممثلة البريطانية فانيسا ريدجريف على المنصة لتستلم جائزة أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم “جوليا”، لتطلق كلمات نارية تُعد أول هجوم مباشر وعلني من نجمة هوليوودية على “اللوبي الصهيوني” ومعتقداته الدينية والسياسية، واصفة إياه بـ”عصابة صغيرة من الأوغاد الصهيونيين” الذين يشكلون إهانة لليهود في العالم أجمع.
كانت هذه الكلمات ردًا حادًا على حملة شرسة شنها المتطرفون الصهيونيون ضد ريدغريف، بعد إنتاجها فيلمًا وثائقيًا عن الشعب الفلسطيني بعنوان “الفلسطيني”، الذي روت فيه الجانب المظلم من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ودعمها الصريح لمنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات.
ريدجريف، التي تبلغ اليوم 88 عامًا، لم تكن مجرد ممثلة ناجحة؛ كانت ناشطة سياسية شجاعة. في عام 1977، باعت منزلها في لندن لتمويل الوثائقي البالغ مدته 66 دقيقة، الذي أخرجه زوجها آنذاك روي باتيرسبي، وروته بنفسها.
الفيلم، الذي يستعرض معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي ويحتوي على مقابلة مع عرفات يدعو فيها إلى “تصفية الدولة الإسرائيلية” كحل للصراع، أثار غضبًا هائلاً في الأوساط اليهودية الأمريكية.
وفقًا لتقارير معاصرة، وصفه الرئيس الشرفي لدورية مكافحة التشهير (ADL) بأنه “معادٍ لإسرائيل”، مما أدى إلى حملة واسعة لمنع عرضه في دور السينما الأمريكية.لم تكتفِ الجماعات الصهيونية المتطرفة، مثل عصبة الدفاع اليهودية (JDL)، بالاحتجاجات والمقاطعة؛ بل تصاعدت الأمور إلى مستويات عنفية.
أقامت JDL احتجاجات أمام قاعة الأوسكار في 3 أبريل 1978، حيث أحرقت تمثالًا شمعيًا للريدجريف ووصفتها بـ”عاهرة عرفات”، وهددت أعضاء الأكاديمية بعواقب إذا صوتوا لها. بل ذهبت الأمور إلى حد وضع مكافأة مالية على رأسها (بounty)، وحملات لسحب ترشيحها للأوسكار، ومحاولات لمنعها من العمل في هوليوود إلى الأبد.
وفي 15 يونيو 1978، وقع تفجير قنبلة في ساعة مبكرة من الفجر أمام سينما “دوهيني بلازا” في لوس أنجلوس، حيث كان مقرر عرض الفيلم مساء ذلك اليوم، مما أدى إلى تأجيل العرض. أدين عضو في JDL لاحقًا بهذا التفجير، الذي اعتبره مراقبون محاولة لإسكات صوت الريدغريف بالقوة.
في خطابها الشهير، الذي أثار صدمة في القاعة حيث صاح البعض وأنَّ الآخرون، قالت ريدغريف: “في الأسابيع الأخيرة، وقفتم صامدين ورفضتم التراجع أمام التهديدات من عصابة صغيرة من الأوغاد الصهيونيين، الذين يشكل سلوكهم إهانة لمكانة اليهود في العالم بأسره ولتاريخهم البطولي في النضال ضد الفاشية والقمع”.
وأنهت كلامها بوعد: “سأقاتل العنصرية المعادية للسامية والفاشية طوال حياتي”.
ردًا على ذلك، استخدم مقدم الجوائز، الكاتب بادي شايفسكي، منصبه ليوبخها قائلًا إن الفوز بالأوسكار “ليس لحظة تاريخية تتطلب إعلانًا سياسيًا”، وأن “شكرًا بسيطًا كان كافيًا”.
عانت ريدجريف لسنوات طويلة من تداعيات هذه الشجاعة.
فقدت العديد من الأدوار في هوليوود بسبب الضغوط، وواجهت حملات تشويه مستمرة من “الشعب المختار” كما وصفتها، لكنها حافظت على إنتاجيتها الفنية، محرزة ترشيحات أخرى للأوسكار في “البوسطونيون” (1984) و”هاوردز إند” (1992).
وفي مقابلة مع “هوليوود ريبورتر” عام 2018، أكدت ريدجريف عدم ندمها، قائلة: “شعرت بالمسؤولية للكلام، مهما كانت العواقب”.قصة ريدغريف، التي أعادت إحياءها اليوم في ظل التوترات الإسرائيلية-الفلسطينية المتصاعدة، تُعد رمزًا للنضال الفني ضد الرقابة.
الفيلم “الفلسطيني” نفسه، الذي أصبح اليوم نادرًا ويُعتبر “مفقودًا” في الأرشيفات، يظل شاهدًا على الجانب “الآخر” من الصراع، الذي سعى الريدغريف لنقله إلى العالم رغم كل التهديدات، بما في ذلك دعوات الاغتيال الصريحة.