هل ينتظر الجنيه المصري تعويماً جديداً؟ في الوقت الذي تظهر فيه شاشات الصرف تراجعاً ملحوظاً في سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري، يسود الشارع حالة من التساؤل الممزوج بالقلق: لماذا لا تنخفض الأسعار؟ وهل هذا الهبوط حقيقي أم مجرد “استراحة محارب” قبل قفزة جديدة؟.
تحليل المشهد الراهن يكشف عن معادلة معقدة تتداخل فيها طموحات الحكومة في السيطرة على التضخم مع مخاطر الاعتماد على “الأموال الساخنة”.
تكمن العقدة الأولى في عدم انعكاس تراجع الدولار على تكلفة المعيشة. ويرجع مراقبون ذلك إلى أن الانخفاض الحالي لا يعبر عن زيادة في “الموارد الإنتاجية الحقيقية” (صادرات، صناعة، زراعة)، بل هو نتاج وفرة نقدية مؤقتة ناتجة عن سياسات نقدية تهدف لجذب السيولة الأجنبية بأي ثمن.
لعبة “الأموال الساخنة”.. ربح للخواجة وعبء على الميزانية
يرسم المحللون سيناريو “دورة رأس المال الأجنبي” في السوق المصري كالتالي:
الإغراء: ترفع الدولة أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية (تجاوزت 26%).
الدخول: يهرع المستثمر الأجنبي “الخواجة” لبيع دولاراته وتحويلها لجنيهات للاستفادة من هذه الفائدة التي لا يجد لها مثيلاً في الأسواق العالمية (حيث لا تتجاوز فائدة الدولار 5%).
الوفرة الوهمية: هذا التدفق المفاجئ يخلق عرضاً كبيراً للدولار، فينخفض سعره مؤقتاً ويزداد الاحتياطي النقدي ظاهرياً، لكنها في الحقيقة “ديون مستترة” وليست موارد سيادية.
مخاطر “الهروب الكبير” وذكريات التعويم
التاريخ القريب في (2016، 2022، 2023، ومارس 2024) يثبت أن هذه الأموال “جبانة” بطبعها؛ فبمجرد خفض الفائدة محلياً أو رفعها عالمياً (من قبل الفيدرالي الأمريكي)، تنسحب هذه المليارات فجأة، مما يسبب صدمة في سوق الصرف تقود مباشرة إلى “تعويم اضطراري” لسد الفجوة.
فاتورة الفائدة المرتفعة: الديون تلتهم الميزانية
الجانب المظلم للاستمرار في سياسة الفائدة العالية هو انفجار الدين الداخلي. فالحكومة تضطر لدفع مبالغ طائلة كفوائد لهذه الودائع، مما يجعل مخصصات “خدمة الدين” تلتهم الجزء الأكبر من الموازنة العامة، على حساب قطاعات التنمية والخدمات.
“إن الاستمرار في منح فائدة مرتفعة لجذب الأموال الساخنة يخفض سعر الدولار مؤقتاً، لكنه يكبل الدولة بديون قد تعجز عن سداد فوائدها مستقبلاً، مما يجعلها عرضة لمساومات الدائنين.”
روشتة الخروج من المأزق: “العمل لا السندات”
ترى التقارير الاقتصادية صدرت مؤخرا أن الحل لا يكمن في “الهندسة المالية” أو انتظار تدفقات الودائع، بل في تحول جذري نحو الاقتصاد الحقيقي:
دعم التصنيع المحلي لتقليل الفاتورة الاستيرادية.
تحفيز الصادرات لجلب دولارات “مستدامة”.
خلق بيئة استثمارية جاذبة للمشاريع الطويلة الأمد، وليس للمضاربات المالية.
هل تنجح الحكومة في تحويل هذه “الوفرة المؤقتة” إلى قاعدة إنتاجية صلبة قبل أن يقرر “الخواجة” سحب أمواله؟ الأيام القادمة هي التي ستحدد ما إذا كنا نعيش “انفراجة حقيقية” أم مجرد “هدوء ما قبل العاصفة”.