أثار الإعلامي المصري عماد الدين أديب عاصفة من الجدل والغضب على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الشعبية العربية، عقب استضافته زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد في حوار تلفزيوني عبر شاشة “سكاي نيوز عربية” من أبو ظبي، في توقيت لا يزال فيه الدم الفلسطيني يُهدر بغزارة على أرض غزة ، ورغم ما قد يسوقه البعض من مبررات تتعلق بـ “الحياد الإعلامي” أو “تعدد وجهات النظر”، فإن غالبية المتابعين اعتبروا اللقاء سقطة أخلاقية فادحة وتطبيعًا ناعمًا مع كيان يواصل ارتكاب مجازر بحق الأبرياء، لا سيما أن لابيد نفسه ليس خارج دائرة المسؤولية عن جرائم الاحتلال، بل كان جزءًا من حكومات شنت عدوانًا على غزة ودعمت الاستيطان والانتهاكات بحق الفلسطينيين.
مشهد إعلامي مستفز في لحظة دامية
توقيت اللقاء لم يكن عابرًا، فبينما كانت أخبار استهداف الاحتلال لمخيمات اللاجئين والمستشفيات والمدارس تملأ العناوين، يظهر يائير لابيد في مقابلة “ناعمة” على شاشة عربية، ليطرح وجهة نظر الاحتلال بشأن الحرب على غزة، وسط حوار لم يتسم بأي مواجهة حقيقية أو مساءلة حادة.
اللقاء الذي جاء بصيغة “تحليل سياسي راقٍ”، بدا للكثيرين وكأنه ترويج ناعم لرواية العدو، في حين يُحرم آلاف الفلسطينيين من إيصال صوتهم، وتُحجب الرواية الحقيقية لما يحدث على الأرض من قتل ودمار وتجويع. بدا المشهد وكأنه إعادة تبييض لوجه الاحتلال بوسائل عربية، وفي منبر إعلامي يُفترض به أن يكون صوتًا للحق، لا ساحة لغسيل جرائم الحرب.
يائير لابيد.. وجه “ناعم” لسياسة دموية
قد يُسوَّق لابيد في بعض الأوساط الغربية باعتباره “معتدلًا”، لكنه في حقيقة الأمر سياسي صهيوني لا يختلف كثيرًا عن نتنياهو في تبني منطق “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” ولو على حساب آلاف الجثث من المدنيين. لابيد لم يدن قتل الأطفال، ولا الجرائم التي وُثقت بالصوت والصورة في غزة، بل كان دائم التأكيد على شرعية ما تفعله حكومة الاحتلال تحت ذرائع “مكافحة الإرهاب”.
المفارقة أن لابيد كان طوال الأشهر الماضية من أكبر المدافعين عن استمرار العمليات العسكرية، ورفض الانسحاب من غزة قبل القضاء على “حماس”، وهي العبارة التي لطالما استخدمها سياسيون “إسرائيليون” لتبرير الإبادة الجماعية ضد المدنيين.
الإعلام.. بين المهنية والتواطؤ
يرى كثيرون أن الحياد الإعلامي لا يعني المساواة بين الضحية والجلاد، ولا يبرر تقديم منصة مجانية لسياسي يمثل دولة محتلة عنصرية، دون محاسبته على جرائمه أو محاصرته بالأسئلة الصعبة.
الصحافة الحقيقية تسعى إلى كشف الحقائق، لا إلى تسويق المجرمين بلغة “التحليل السياسي”. ولذلك، فإن استضافة لابيد في هذا السياق دون وضعه أمام مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية، يُعد انحرافًا عن دور الإعلام المهني والأخلاقي، ويصب في خانة تطبيع السردية الصهيونية داخل الوعي العربي.
ردود فعل شعبية غاضبة
عقب إذاعة اللقاء، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بسيل من الانتقادات الحادة، ليس فقط ضد الإعلامي عماد الدين أديب، بل أيضًا ضد إدارة القناة التي سمحت ببث هذا الحوار دون مراعاة لحساسية اللحظة والجرح الفلسطيني النازف.
هاشتاغات مثل #لا_للصوت_الصهيوني و**#تطبيع_إعلامي** تصدرت المنصات العربية، وسط دعوات إلى محاسبة من يقف خلف هذه اللقاءات التي “تطبع مع الدم”، بحسب تعبير أحد المغردين.
في المقابل، لم تصدر أي توضيحات أو مبررات رسمية من القناة، في وقت بدت فيه الانتقادات أقوى من أن تُتجاهل، خصوصًا أن الوعي الجماهيري بات أكثر حساسية تجاه كل أشكال التسلل الصهيوني إلى الإعلام والثقافة.
ازدواجية إعلامية مفضوحة
يتساءل كثيرون اليوم: هل كانت نفس القناة ستستضيف قياديًا من حركة حماس مثلاً، أو حتى صوتًا من غزة يروي ما يحدث هناك، بنفس الترحاب والهدوء والحيادية؟ هل الإعلام العربي يعاني من ازدواجية أخلاقية في تغطيته؟ هل أصبح البعض يعتبر “المعتدلين الإسرائيليين” شركاء في صناعة السلام، بينما يُقصى صوت الفلسطيني تحت ذريعة “التوازن الإعلامي”؟
الإجابة لا تحتاج إلى كثير من التحليل؛ فالمحظور دائمًا هو الصوت الفلسطيني، والمقبول دومًا هو الصوت “الإسرائيلي المجمّل”، حتى لو كان مشاركًا في صنع المجازر.
موقف أخلاقي مطلوب
ما جرى ليس مجرد لقاء تلفزيوني، بل هو امتحان أخلاقي للإعلام العربي ، هل هو في صف الإنسانية والحق والعدالة، أم في صف تبرير القوة والاحتلال والقتل؟ وهل يمكن للفلسطيني الذي فقد أطفاله تحت الأنقاض أن يقبل أن يُفتح الهواء لمن برر قصفهم، ولو بكلمات دبلوماسية مهذبة؟
المطلوب اليوم من الإعلام العربي أن يتخذ موقفًا واضحًا لا لبس فيه: لا للمنصات الترويجية للصهاينة، لا لغسل الجرائم، لا لمنح الشرعية لصوت المعتدي، مهما كانت ملامحه ناعمة أو لغته هادئة.