في خطوة وُصفت بأنها “الأكبر في تاريخ الرعاية الصحية المصرية”، كشفت الحكومة المصرية عن خطة غير مسبوقة لإشراك القطاع الخاص في تشغيل وتطوير عدد كبير من المستشفيات الحكومية بمختلف المحافظات، وهو ما يثير جدلًا واسعًا بين مؤيد يرى في الأمر فرصة لتحديث المنظومة الصحية، ومعارض يخشى من تأثيرات سلبية على محدودي الدخل.
فهل نحن أمام نقلة نوعية أم بداية لخصخصة الخدمات الطبية و المستشفيات الحكومية ؟ ، وأعلنت وزارة الصحة المصرية عن إتاحة أكثر من 40 مشروعًا صحيًا استثماريًا أمام القطاع الخاص، تشمل إنشاء مستشفيات جديدة، وتشغيل وتطوير أخرى قائمة بالفعل في مختلف أنحاء الجمهورية.
وتندرج هذه المبادرة تحت الخطة العشرية لوزارة الصحة، والتي تسعى إلى تحقيق شراكات طويلة الأمد بين الدولة والقطاع الخاص بهدف النهوض بالبنية التحتية الصحية وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين وتدعم هذه التوجهات تشريعات حديثة، في مقدمتها قانون “منح التزام المرافق الصحية” الذي صدر في يونيو الماضي، وهو أول قانون مصري يتيح رسميًا للقطاع الخاص إدارة وتشغيل المنشآت الصحية العامة وفقًا لإطار قانوني واضح ومحدد.
تطبيق عملي أول على المستشفيات الحكومية .. “دار السلام” تتحول إلى “جوستاف روسيه”
أولى خطوات التنفيذ ظهرت بالفعل من خلال توقيع عقد شراكة لتطوير مستشفى دار السلام “هرمل”، وتحويلها إلى مركز دولي بالشراكة مع المؤسسة الفرنسية “جوستاف روسيه”.
ورغم أن الشراكة تهدف لتقديم خدمات علاجية على أعلى مستوى، فإن بعض المرضى أبدوا مخاوفهم من تأخير الإجراءات، ما دفع وزارة الصحة لتشكيل لجنة مراجعة عاجلة.
أبرز المستشفيات المطروحة للاستثمار
من أبرز المستشفيات التي طُرحت للقطاع الخاص:
مستشفى العجوزة التخصصي
مستشفى الزيتون التخصصي
مستشفى البنك الأهلي للرعاية المتكاملة
مستشفى هليوبوليس
مستشفى دار الولادة (المانترنيتية) بالإسكندرية
مستشفى العبور العام
مستشفى الشيخ زايد آل نهيان
كما تشمل القائمة مستشفيات في الصعيد مثل:
مستشفى أبو تيج التخصصي
مستشفى منفلوط
مستشفى بني مزار
مستشفى أبو تشت
مستشفى قفط
مستشفى نجع حماد
وتُطرح كذلك فرص إنشاء مستشفيات جديدة بعدة مناطق عمرانية جديدة مثل القاهرة الجديدة، 6 أكتوبر، العاشر من رمضان، والمنيا الجديدة.
فرص استثمارية أوسع.. ليس فقط مستشفيات
الخطة لا تقتصر على إدارة المستشفيات فقط، بل تتضمن أيضًا إنشاء مراكز طبية تخصصية، منشآت صحية رقمية، وحدات تشخيص متقدمة، واستثمارات في الرعاية الصحية الذكية. كما أعلنت وزارة الصحة عن وجود أراضٍ خدمية مخصصة للاستثمار الطبي، أبرزها في محافظة المنوفية (سرس الليان، قويسنا، شبين الكوم)، ضمن مخطط متكامل لتوزيع الخدمة الصحية بشكل أكثر عدالة.
الرخصة الذهبية.. سلاح الحكومة لتسريع التنفيذ
الحكومة المصرية تراهن على أداة جديدة تُعرف باسم “الرخصة الذهبية”، وهي وسيلة تتيح بدء النشاط الاستثماري في المشروعات الصحية دون الحاجة إلى المرور بإجراءات الموافقات التقليدية الطويلة من عدة جهات، الأمر الذي من شأنه جذب مستثمرين جدد وتحفيز رؤوس الأموال المحلية والأجنبية على الدخول للقطاع الصحي.
هل تتأثر خدمات المواطنين؟.. الوزارة ترد
وزارة الصحة أكدت مرارًا أن حقوق المرضى محفوظة بالكامل، وأن دخول القطاع الخاص لا يعني المساس بالمجانية أو التقليل من جودة الخدمة، بل العكس. كما أوضح مصدر مسؤول بالوزارة أن لجنة متابعة تم تشكيلها بالفعل لمراجعة أداء كل مستشفى تُسند إدارته للقطاع الخاص، مع التأكيد على استمرار تقديم الرعاية الطبية دون أي خلل.
ونوه المصدر إلى أن بعض الإجراءات الجديدة مثل تطبيق نظام الشباك الواحد في استقبال المرضى وتسريع العلاج باتت جزءًا من خطط التحسين الفوري داخل المستشفيات التي دخلت الشراكة.
وجهة نظر اقتصادية: هل نربح من هذه الخطة؟
من جانبه، صرح الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، بأن دخول القطاع الخاص في قطاع الصحة هو أمر “ضروري” في هذه المرحلة، مؤكدًا أن السوق المصرية تمتلك طلبًا ضخمًا على الخدمات الطبية، وأن الاستثمارات في هذا المجال ستسهم في:
سد الفجوات في البنية التحتية الصحية.
رفع جودة الخدمة والتقنيات المستخدمة.
توفير فرص عمل جديدة.
دعم الاقتصاد المحلي.
وأضاف أن مصر تسعى لتكون مركزًا إقليميًا للرعاية الصحية في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهذا يتطلب تعزيز الشراكات المستدامة مع القطاع الخاص، وضخ استثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية والخدمات التخصصية.
بين مؤيد ومعارض.. هل نحتاج لحوار مجتمعي؟
ورغم التأكيدات الحكومية، ما زال الجدل قائمًا في الأوساط المجتمعية والطبية بشأن جدوى هذه الخطوة، ومدى قدرة الدولة على الرقابة على القطاع الخاص حال استلامه المنشآت، وماذا عن الطبقات الأكثر فقرًا؟
الإجابة على هذه الأسئلة لن تظهر إلا مع مرور الوقت، ومع نجاح أو فشل النماذج الأولى من هذه الشراكات. وحتى ذلك الحين، تبقى شفافية الطرح، وجودة الإدارة، والرقابة الصارمة عناصر حاسمة لضمان استفادة المواطن البسيط من هذا التحول الكبير في خريطة الرعاية الصحية بمصر.
إن خطة إشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المستشفيات العامة بمصر تفتح أبوابًا جديدة للاستثمار وتحسين الخدمات، لكنها في الوقت ذاته تفرض مسؤولية مضاعفة على الحكومة لضمان العدالة الصحية وعدم التمييز بين المواطنين. وبين الطموح والقلق، يبقى السؤال: هل تنجح مصر في تحويل هذه الشراكة إلى نموذج رعاية صحية مستدام؟ الأيام وحدها ستكشف الإجابة.